هناك علاقة وثيقة بين أسلوب التردد الحكومي وبين الشفافية المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فخلال هذا العام وعلى سبيل المثال، رفض مجلس النواب مرتين الموافقة على الحساب الختامي للدولة لأسباب تتعلق بغياب الشفافية عن هذا الحساب وعجز أو بالأحرى تردد الحكومة في تزويد المجلس بالمعلومات والأرقام التي تدعم صحة الحساب الختامي وتزيل الشك في أرقامه، وتبعد الغموض عن النتائج والخلاصات التي انتهى إليها.
التردد الحكومي تمثل في عجز الحكومة عن إقناع المجلس بصحة الأرقام وكفاية المعلومات وبالتالي شفافية الحساب الختامي، وأنه بدل أن تبذل الحكومة المحاولات المستميته وتقدم المعلومات وتصحح الأرقام من أجل نيل موافقة المجلس وثقته في الحساب الذي قدمته فإنها خاطبت أعضاء المجلس الرافضين بما معناه: الميزانية تم تنفيذها وتجاوزها في الكثير من الوزارات، وموافقتكم على الحساب الختامي ما هو الا تحصيل حاصل..
موضوع التردد والشفافية شمل أيضاً طلب موافقة المجلسين على مشروع فتح اعتماد إضافي في الميزانية بمنح شركة طيران الخليج عدة ملايين من الدنانير، ولما بدأت المناقشة للموضوع ومحاولة استيضاح لماذا وكيف وغيرها من الأسئلة التي تسبق الموافقة اكتشف أعضاء المجلسين أن الحكومة أخذت المبلغ نفسه في عام 2012 وصرفته، وأنها جاءت هذا العام من أجل إضفاء الصفة القانونية على المبلغ الذي صرف قبل عامين.
وهو ما يعني مرة أخرى أن موافقة أو رفض السلطة التشريعية لا تغير من الأمر شيئاً، وأن التردد الحكومي يتحول في بعض الأحيان إلى تجاهل منبثق هو الآخر عن غياب الشفافية.
المثل الآخر على غياب الشفافية يتعلق بالسؤال الذي وجه في مجلس الشورى إلى وزير المالية وفحواه: الحكومة اقترضت مليار دينار من أجل سد عجز الميزانية البالغ 30 مليون دينار، فأين ذهب الفرق، أي أين ذهب مبلغ 970 مليون دينار، فهذا الاقتراض والمبالغ الضائعة في غياب الشفافية واعتماداً على قانون سرية المعلومات هو ما أدى إلى أن يقفز الدَّين العام في خمس سنوات من حوالي ملياري دينار إلى خمسة مليارات.
فهناك مبالغ تقترض وأموال تصرف وملايين تبدد من المال العام لا أحد يدري أين تصرف ولماذا وإلى متى، وهل حقاً سنعرف عنها شيئاً في غياب الشفافية والنزاهة؟!