قال تعالى (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريـــصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ) سورة التوبة (128). أكبر فقد فجعت به الأمة الإسلامية هو فقدها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأكبر يتم تعاني منه الأمة اليوم هو عدم وجود النبي بيننا؛ وذلك لأننا نعيش في زمن نفتقد فيه المعوان على الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المشهور «اشتقت لأحبابي، قالوا: أولسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون».
أرسل لي أحد المقربين مقطع فيديو للمبدع أحمد الشقيري يسأل فيه مجموعة من المشاهير وعامة الناس: لو جاءك النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ ماذا تقول له؟ ثم طرح، المرسل، علي السؤال ذاته: لو جاءك النبي ماذا ستقولين له؟! وحين فكرت في الإجابة أردت أن أكون صادقة مع نفسي قبل أن أصدق الآخرين. وأن أعترف بما في نفسي وألا أوارب.
لو جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم، لشعرت أولاً بالخجل والانكسار من نفسي. فأنا مقصرة في حق الله ورسوله، ومقيمة على بعض الآثام وأقع في تكرارها على الرغم من استحضاري نهي الله ورسوله عنها. كما إن صلاتي وكافة عباداتي لا ترتقي إلى ما يحب الله ورسوله أن تكون عليه. ولست من الذاكرين آناء الليل وأطراف النهار، ولست من الصابرين عند الصدمة الأولى. ويصل بي الضيق أحياناً من فتن الدنيا إلى الحال التي أعلن فيها أن (نفسي أولاً) وأن أؤمن بالخلاص الفردي. لو جاءني رسول الله لما علمت من أي فئة في أمته سيضعني، وكيف سينظر إلي؟
لو جاءني رسول الله وتجاوزت خجلي من نفسي وانكساري مما اقترفت يداي، وتمكنت من الحديث معه: لأخبرته كم نحن بحاجة إليه في زمننا هذا، ولقلت له كم نحن مختلفون ومتشرذمون ومتناحرون ويطعن بعضنا بعضاً غدراً وعدواناً. ولاعترفت له أننا نتيه في شكل من أشكال الضلال فلا ندري أخيراً قصدنا بما نفعل أم سلطنا الشيطان على أنفسنا نخرب بيوتنا بأيدينا وأيدي المشركين. سأعترف للنبي صلى الله عليه وسلم أننا نفتقد النموذج والقدوة، وأننا ضيعنا حكمة المؤمن وصرنا نعيش دون (كبير) نلجأ له ونثق به. وأن الثقة بالنفس وبما تراه أعيننا وبما سيحل بنا هي أكبر ابتلاء نعيشه وأكبر فشل نتخبط فيه من مرحلة إلى أخرى. سأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن المشقة وضيق العيش قد بلغ بنا أن صرنا نجأر ونستغيث باحثين عن (مخلص) نسير خلفه ويقودنا إلى طريق الهدى وممر النور.
لو جاءني النبي صلى الله عليه وسلم لبحت له بأن هذه الحياة التي امتلأت مباهج ولهواً وزينة تفتقد المتعة. وأن السعادة قد صارت فيها غير مكتملة. وأننا نشعر أن ثمة روحاً مقلقة ومزعجة تحوم حولنا وتبث الشؤم في نفوسنا. ثمة شيء نزع من الحياة أفقدها السعادة.. شيء قد يكون (البركة).. نزعت من أوقاتنا وصحتنا وأموالنا فلم نعد نستشعر جماليات الحياة وهي تمضي.. ونحن نستهلكها.
لو جاءني الرسول صلى الله عليه وسلم طيفاً أو مناماً. لتذللت إليه باكية أني، برغم، تقصيري وخوضي في اللغو واقتحامي الفتن؛ لا أملك إلا حسن ظني في الله، وأملي في شفاعة نبيه، وأني أتقرب إلى الله بحبي لدينه ونبيه وجماعة المسلمين. وأني أغار على دين الله وأظن في نفسي، أو هكذا أتمنى، أني أعمل لنشر نقاء هذا الدين وعظمته وتسامحه وإنسانيته. سأقر للنبي أني مذ كنت طفلة وأنا أخاف الله وأخاف القبر وضمته وظلمته وثعابينه وديدانه. وأني أخشى أن أقف بين يدي ملكي القبر وقد نسيت إجابات امتحانهما. وأني لا أقوى على عذاب النار وأطمع في دخول الجنة وأسأل الله دائماً صحبة نبيه في الفردوس الأعلى. وأن أكثر ما أخشاه أن أموت (فجأة) قبل أن أكون أهلاً لرحمة الله شفاعة نبيه.
لو أن محمداً عليه الصلاة والسلام جاءكم ماذا تقولون له؟