ثمة أسئلة ملحة ومترابطة يطرحها الشارع البحريني وكلها تتعلق بمسائل حيوية يواجهها المواطن ويعاني منها في أحايين كثيرة، ومع ذلك فهو لا يجد لها حلولاً واضحة وحاسمة بل تردداً وتأجيلاً وترحيلاً نحو مستقبل ضبابي ومجهول وغير محدد المعالم والزمن.
من هذه الأسئلة على سبيل المثال: هل البحرين بحاجة إلى إصلاح اقتصادي، أم أنها بحاجة إلى إصلاح سياسي أولاً، الموضوع أشبه ما يكون بحكاية البيضة والدجاجة، والجميع يعاني وينتظر حدوث الاختيار وتغليب هذا الإصلاح على ذلك، أو اتخاذ قرار باختيار أحدهما من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية وإعلان ذلك القرار على الملأ ووضع حد لهذا الغموض وهذا التردد الذي تعيشه الدولة منذ سنوات.
عدم الحديث عن الإصلاح الاقتصادي مثلاً لا يعني أن اقتصادنا الوطني مزدهر وأننا لا نعاني من اختلالات في هذا الاقتصاد، وإنما هو أقرب إلى مقولة أخرى مفادها أن المسؤولين عندنا ومعهم أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يعترفون بوجود مساحات ولا بقع سوداء ورمادية في أي موضع من الاقتصاد، أو بالأحرى لا يحبون الإعلان والحديث عنها وبالتالي فإنهم وعندما تشتد عليهم الضغوط الداخلية أو الخارجية يعلنون عزمهم اتخاذ إجراءات معينة لمجابهة أو التقليل من حجم مشكلة معينة، لكنهم سرعان ما يتوقفون عن مواصلة خطواتهم أو يتراجعون عنها أو يؤجلونها إلى أجل غير مسمى.
لنعطي بعض الأمثلة السريعة: كم مرة أعلن عن تضخم الدَّين العام والتحذير من العواقب السلبية لعدم التصدي لكبحه، ونتيجة كل المناقشات والتصريحات في مجلسي النواب والشورى ومجلس الوزراء هو رفض وضع حد أعلى لصعوده حتى لو كان هذا الحد 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وإلى متى، لا أحد يدري...
والحال كذلك بالنسبة لعجز الميزانية العامة، والأخذ ببعض ما جاء في الاستراتيجية الاقتصادية 2014 بشأن تمويلها، وبموضوع الدعم الذي بات يكلف الدولة سنوياً 1.6 مليار دينار والدولة تعلن عن رغبتها بإلغاء هذا الدعم بل وتتخذ بعض الخطوات في هذا الاتجاه، لكنها سرعان ما تتراجع عنها، ثم تعلن -حسب الرؤية 2030- أنها ستعمل على إعطاء الدعم لمستحقيه، ولما تجد أن هذا يتطلب إضافة الدعم على الأجور، أي زيادتها تتراجع عن الموضوع، وغير الدعم هناك الرغبة في تنويع مصادر الدخل، تعلن عنها الدولة ثم تتردد وتصمت وتظل البحرين تحت رحمة النفط الناضب بإنتاجه وأسعاره المتقلبة، الأمثلة كثيرة، وكلما زاد التردد والترحيل زادت الأزمات وتعقدت أكثر.