أن تحتل إيران دولاً وتقتل شعوباً وتهدم مساجد ومستشفيات ومدارس فهذا أمر محبوب ومقبول ولا شك فيه أو غبار عليه، وأن تنتهك سيادة دولة وتقتل أبناءها وتستبيح حرماتها وتهدد شعبها وتصدر فتاوى بهدر رجال أمنها؛ فهذا أمر له مبررات وأعذار، بل هو في منزلة التكليف الإلهي الذي جاء في الوصية الخمينية.
أما سوء العاقبة والتهديد بمصير مجهول لكل من يتجرأ بطرق باب مواطن أو يقترب من جداره، لأنه تهديد لم يسبق له مثيل في أمريكا وإسرائيل، ثم هل أصبح لمس جدار بيت قاسم من الموبقات التي ذكرت في القرآن، ويستحق عقوبته أكبر من التعدي على بيت الله أو نبش قبور الصحابة؟ هذه هي نظرية ولاية الفقيه التي تجعل مقام شخص فوق مقام أمة، وتجعل من لمس باب بيته أكبر من احتلال دولة، وها هي الخارجية الإيرانية تخرج علينا تنعي وتلعي، وهي من يقتل حرسها الثوري أطفال سوريا والعراق، وها هي الوفاق تتوعد وتهدد بأن عاقبة لمس منزل عيسى قاسم سيدفع بالبحرين إلى مصير مجهول.
هذه هي العقلية التي تريد أن تكون لها اليد والسلطة، حيث تجعل مقام مواطن فوق كل المقامات، وهو ذاته من أفتى بهدر الدماء ويقود انقلاباً على السلطة ويحرض من منبره على الحكام ويصف رموزه بأشنع الأوصاف، هذا المحرض الذي لو نطق بنصف كلمة من ذلك في إيران لما استطاع أن يكمل كلمته أو يبتلع ريقه أو يرد نفسه إلا والحرس الثوري يجرونه إلى حيث لا تشرق شمس. هذا واقع النظام الإيراني الذي يحمي دولته بالنار والحديد ولا يهمه كأحد سواء أكان مرجعية أو ابن مرجعية أو رئيس جمهورية، لأن أمن إيران وبقاء حكومة الولي الفقيه لا يساوم عليه ولا يستطيع أن يتجرأ عليها حتى المرشد نفسه.
ليت الأمر قد يقتصر استنفار الحوزات في البحرين وتهديد إيران، بل قد يصل الأمر لإيفاد مبعوث من قبل أوباما ليطمئن على الأثاث والسجاد ويعاين السقف وعتبات الباب، وقد تبعث بعض السفارات بمبعوثيها، وقد يحضر سفراؤها لتقديم التحيات، وذلك بعدما أصبحت المرجعيات بالنسبة لأمريكا وحلفائها ذات أهمية كبرى تفوق الدول والحكومات والشعوب، فهذه المرجعيات هي مفتاح الشرق الأوسط الجديد، وذلك بعد أن توجه المرجعيات ميلشياتها لحماية جيوش الاحتلال وتساعد في قتل الشعوب، كما فعلت في أفغانستان وسوريا والعراق
أما الرد على تدخل إيران؛ فهل تريد للبحرين أن تواجه ما يسمى الاحتجاجات بنفس الطريقة التي تعاملت بها إيران مع المتظاهرين إبان انتخاب نجاد، وذلك عندما خرج الحرس الثوري ليرمي الناس من فوق الجسور، ومنهم من اعتقل أو أعدم، ومنهم من سلت عيونهم وثقبت صدروهم، فهل هذه الطريقة التي توصي بها «مرضية»؟ ثم هل على البحرين أن تأخذ إذن تفتيش منزل قاسم من إيران؟
ونسأل الدولة هنا عن موقفها تجاه جمعية سياسية مازالت تصر على الاستمرار في المؤامرة الانقلابية، وأن هذا التمادي من الوفاق سيستمر طالما تم السكوت والتجاوز عن قادة المؤامرة من رجال دين وساسة، أظهروا عداءهم للدولة ومازالوا مصرين على إسقاط الحكم، وهو ما يوجب أن تتخذ الدولة الإجراء القانوني ضد كل من تسول له نفسه أن يهدد البحرين، وعلى الدولة أن تضع حداً للتدخلات الإيرانية، وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي التي يجب أن تدين التدخل الإيراني في البحرين، وأن تتخذ إجراءات تأديبية ضد إيران وضد كل من يتطاول على هيبة الدولة والجرأة على مؤسساتها، خاصة الأمنية والعسكرية، لأن هيبة الدولة من هيبة هاتين المؤسستين وقوتهما، وأن القانون يجب ألا يستثنى عمامة ولا لفافة ولا غترة ولا عقال، فالجميع سواسية وهذه هي أول مبادئ الدولة الحضارية الديمقراطية، وقبل الديمقراطية فهو منهج الإسلام والعدالة الإلهية التي ليس فيها مكان لعصمة إنسان ولا قدسية لفرد.