نحن وفي كل مرة نحاول الابتعاد عن نظرية المؤامرة، أو اللجوء في كل الأحيان والأوقات والأمكنة إلى تفسير الأحداث بزعمها مؤامرة، لكن حين تكون المعطيات والقرائن والأدلة كلها تشير إلى وجودها ولو بشكل خفي أو من وراء حجاب، فإننا من الصعب نفيها بالمطلق. في كل مرة نحاول أن نستقريء الواقع بطريقة موضوعية نميل في الغالب إلى إلقاء اللوم على واقعنا المتخلف وسلوكنا المتردي وفكرنا الرجعي ومجتمعاتنا المتخلفة، نلقي باللائمة على واقع التعليم والصحة واختفاء معالم التطور والصناعة والثقافة والأخلاق وغيرها من الأمور التي تعتبر عماد المجتمعات البشرية في السابق والحاضر والمستقبل. لكن حين يجتمع التخلف مع المؤامرة في مجتمع من المجتمعات، فإن ذلك يعني وصولها إلى عتبة الهاوية، ولربما تكون نهايتها الحتمية، خصوصاً حين تقع بين فريسة تخلفها ومؤامرات غيرها، وهذا الأمر على ما يبدو هو الذي وصلت إليه المجتمعات والدول العربية في وقتنا الراهن، فبالإضافة لتخلفها الصارخ على كل الأصعدة هناك الكثير من المؤامرات الاستكبارية تحاك ضدها في الخفاء والعلن! لا تستطيع القوى الشيطانية والاستعمارية كلها لو اجتمعت، أن تنال من عزة وكرامة وثروات وقدرات المجتمعات القوية، فالمؤامرة لا تنجح إلا في المجتمعات الخائفة والمترددة، وفي المجتمعات المهلهلة والضعيفة، باختصار تنجح المؤامرة في المجتمعات المتخلفة، فتكون كالسرطان الذي ينخر في وجودها وكياناتها، في حاضرها ومستقبلها. أما المجتمعات الواثقة والقوية فإنها ربما تمرض لكنها لا تموت، لأن لديها حصانة كبيرة جداً من العلم والمعرفة والحضارة والتطور، بل في حالها تتجنب كل القوى الشيطانية هذه المجتمعات، خوفاً من أن تتورط في مستنقع مؤامراتها بمفردها. لا يمكن أن تنجح مؤامرات الغرب الدنيئة في دول قائمة بذاتها كالصين والهند واليابان وكوريا، لكن من المؤكد أنها ستنجح في دول مليئة بالصراعات والتخلف. ستنجح مؤامراتهم في مجتمعات مخترقة وضعيفة، وسيبسطون نفوذهم في مجتمعات تؤمن بالخرافة أكثر من العلم، وبالسرقة أكثر من العدالة، وستنجح المؤامرات صغيرها وكبيرها في مجتمعات تخلو من الديمقراطية والحرية والكرامة. نحن لا نؤمن بنجاح نظرية المؤامرة إلا في المجتمعات التي مازالت تحبو على ركبتيها وتستجدي كرامتها من الأجنبي، أما بالنسبة للمجتمعات المتحضرة، فإن المؤامرة لن تلتقي معها في شيء. حين تكون ضعيفاً فإنك بضعفك خلقت مناخاً مواتياً لدخول كل أشكال المؤامرات إلى بيتك، أما حين تكون قوياً فإن المؤامرات لن تستطيع الاقتراب منك. في مجتمعاتنا العربية ولسوء أوضاعنا وتمدد تخلفنا أصبحت المؤامرات تعيش في مخادعنا ومدارسنا وشوارعنا بكل طمأنينة، ولهذا لن نستطيع التخلص منها إلا عبر الأخذ بأسباب القوة والنهضة والعلم والمعرفة، أما ما دون ذلك من المسكنة والاستجداء، فإننا سنظل قصعة مكشوفة ولقمة سائغة لكل طامع يأتينا غازياً أو سنظل مدى الحياة أسارى مؤامرة تحولنا إلى قطيع من عبيد.