منذ فترة وردني خبر عن مسؤولة في جهة حكومية تجتمع كل فترة بموظفيها وتستعرض عضلاتها الكلامية معهم، ومن جملة ما قالته لهم «انتو كلكم تشتغلون تحت ريلي!».
هناك مسؤولة أخرى جبلت على أن تهزأ من الموظفين الرجال، وكما يقولون «شنبات» يخافون منها كخوف الطفل من أمه، بل ويدعي الكثير منهم سراً أن أول أشهر من حملها «تتنسى فيهم» ويكون مزاجها متعكراً، فلا تجد غيرهم «تمسخر فيه»، في ما لا يملكون غير التودد لها والانصياع لما تأمر به، حتى وإن كان لا يتفق مع سياسة العمل والمكان خوفاً من تهديد مصدر دخلهم ومن ثم قطع أرزاقهم.
منذ عدة سنوات كانت لي زميلة في إحدى المؤسسات الخاصة، وكانت تتقاضى راتباً ضئيلاً جداً لا يتناسب مع خبرتها وشهادتها الجامعية، حيث تحصل على 200 دينار فقط رغم طول ساعات العمل وانتظامها ستة أيام أسبوعياً، كان صاحب المؤسسة رجلاً معروفاً بالظلم و«لا ذمة ولا ضمير»، وقد عين ابنه الوحيد مديراً للشركة، تقول الموظفة: «حاولت مراراً مخاطبتهم بشأن زيادة الراتب، فأنا درست وتعبت لأجل الحصول على الشهادة ولا أحد من أقراني ينال مثل راتبي الذي ينتهي في أول أيام الشهر، حتى جاء يوم وبعد زيادة مضايقاته فصلني أنا وبعض الزملاء فصلاً تعسفياً، فتركت المكان دون اعتراض بعد أن وضعت ورقة على مكتبي كتبت فيها (الظلم ظلمات يوم القيامة) وجلست في البيت أكثر من سنة عاطلة عن العمل إلى أن توظفت في جهة أخرى».
وبعد أقل من سنتين فوجئ الموظفون بوفاة ابن صاحب الشركة بسكتة قلبية مفاجئة، فتأثر والده كثيراً ومرض، ولم تمر أشهر حتى أفلست المؤسسة واضطر صاحبها لإغلاقها، ورغم أنه عين لاحقاً مسؤولاً في إحدى الجهات الحكومية إلا أنه تورط في قضية فساد، فتم عزله من منصبه، وكأن لعنة طالته لتكشف ما يقوم به من ظلم للعباد، ألم يقل الله عز وجل لكل مظلوم «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».
مسؤول ما إن يبدأ الدوام حتى تسمع الموظفين يدعون «الله يستر ويعدي اليوم على خير»، في ما يتهامس آخرون «يا رب ما يكون متهاوش مع زوجته أو أحد لأنه بيطلع حرته فينا!»، وكان أحد الموظفين يعد «كبش فداء» لمزاج المسؤول المتقلب، حيث كان يتعمد استفزازه ومضايقته كونه لا يتكلم ولا يشتكي، حتى ظلمه يوماً بالخصم من راتبه ومنحه إنذاراً، فقام الموظف المغلوب على أمره بالدعاء أثناء السجود «حسبي الله ونعم الوكيل»، وقال لأحد زملائه «مررت بحالات ظلم في حياتي، لكن هذا المدير جعلني أتحسب عليه لكثرة القهر المتراكم بداخلي»، لم تمضِ عدة أشهر حتى سقط هذا المدير مريضاً، ومن عملية لأخرى دون أن «يترقع»، حتى اضطر زملاء الموظف للطلب منه أن يستغفر ويسامحه.
لدينا بعض المسؤولين ممن ينسون أنهم موظفين لدى الدولة كبقية الموظفين، ولا يختلف عنهم سوى في المسمى الوظيفي الذي يشغله وحجم المسؤولية التي تلزمه بأن يكون أميناً مخلصاً يتقي الله في العباد الذين يعملون تحت إمرته، وهو مساءل عنهم وعمن يعيلون يوم القيامة، غير أن بعضهم ما إن يستلم المنصب حتى «تغره الدنيا» ويبدأ في تجسيد مقولة (أنا ربكم الأعلى)، حيث لا يرضى بأي مناقشة حتى لو كان مخطئاً، وما يقوم به يدخل في باب المفسدة ويضر بالمصلحة العامة، ويحب أن يمجده الموظفون بطريقة قريبة إلى العبادة، وما إن يمر بهم حتى ينتهي الدوام ويغادرهم.
وصل الأمر بأحد المسؤولين لدرجة أن يهدد أحد الموظفين الذين نبهوه لأمر ما أمام أحد كبار المسؤولين بالقول: «وراك عيال.. وراك رزق.. اهتم لنفسك ولا يعنيك غيرك»، ناسياً مقولة علي رضي الله عنه «إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك».
الشاهد أن مثل هذه القصص نقطة في بحر مما يجري وراء الجدران في كثير من مؤسسات الدولة، ولو فتحت جهة ما مكتباً لتلقي الشكاوى من هذا النوع لفزع كبار المسؤولين مما يجري من ورائهم وتحت الطاولة وما يقوم به «البطانة الفاسدة»، ولأصابتهم الصدمة من وقاحة وجرأة البعض في ظلم الموظفين وتحطيم مستقبلهم وتهديدهم، متناسين أن فترة العمل لا تتجاوز في أكثرها ثلاثين سنة ثم سيستبدلونهم بغيرهم، فكيف بما فعلوه من ظلم لا يطال موظفيهم فقط بل حتى من ورائهم من أهل وأبناء؟
- إحساس عابر..
شكراً لسمو رئيس الوزراء «رجل المواقف» على قراره بإيقاف قرار وزارة الثقافة بمنع لبس الموظفات للعباءة خلال وقت الدوام الرسمي، والله أمر محير، كيف بوزارة تحمل اسم «الثقافة» تمنع اللباس الثقافي لبنات «الديرة»؟ أليس من الأجدر تركهن يمثلن ثقافة وعادات وتقاليد «الديرة» أمام العالم، لتظهر أن الموظفة البحرينية تحتفظ بزيها التراثي والثقافي الجميل المقتبس من ديننا الحنيف؟
إن كان المبرر بأن اللون الأسود غير محبب، فالأسود هو لون الستر «الله يستر على جميع بناتنا دنيا وآخرة»، كما إنه اللون المحبب الذي يستخدم عادة للبدلات الرسمية في البروتوكولات في أي مكان بالعالم.