أحد الإشكالات التي يمر بها الإنسان على كوكبنا هذا هو أن كل واحد منا يريد إرضاء الآخرين، فالبنت تعمل على أن ترضي أمها، والأم تحاول دائماً إرضاء زوجها وأبنائها، والأب يحاول أن يرضي رئيسه في العمل وأصدقاء الحي والمقهى، بمعنى آخر أن الكل يحاول إرضاء الكل، ولكن هذا الجهد اليومي يحول حياة الإنسان إلى جحيم لا يمكن مواصلة العيش معه، والإشكال الأكبر هو أننا لا نتعلم من سير التاريخ ولا من الذين يحاولون إفهامنا طبيعة الحياة وكيفية العيش فيها.
ورغم أننا تعلمنا وقرأنا الكثير من الدروس في مرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية، إلا أن هذه الدروس تتبخر من رؤؤسنا مباشرة بعد أن ندخل ميدان الحياة العملية.
من هذه الدروس والمواعظ التي مرت علينا وحفظناها عن ظهر قلب حكاية «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، فقد روي أن لقمان الحكيم قال لولده في وصيته: «لا تعلق قلبك برضا الناس ومدحهم وذمهم، فإن ذلك لا يحصل ولو بالغ الإنسان في تحصيله بغاية قدرته».
فقال ولده: «أحب أن أرى لذلك مثالاً أو فعالاً أو مقالاً».
فقال له: «أخرج أنا وأنت».
فخرجا ومعهما بهيم؛ فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه، فاجتازوا على قوم فقالوا: «هذا شيخ قاسي القلب، قليل الرحمة، يركب هو الدابة وهو أقوى من هذا الصبي، ويترك هذا الصبي يمشي وراءه، وإن هذا بئس التدبير».
فقال لولده: «سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك؟».
فقال: «نعم».
فقال: «اركب أنت يا ولدي حتى أمشي أنا».
فركب ولده ومشى لقمان، فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا: «هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد، أما أبوه فإنه ما أدب هذا الصبي حتى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه، والوالد أحق بالاحترام والركوب، وأما الولد فلأنه عق والده بهذه الحال فكلاهما أساء في الفعال».
فقال لقمان لولده: «أسمعت؟».
فقال: «نعم».
فقال: «نركب معا الدابة».
فركبا معا فاجتازوا على جماعة فقالوا: «ما في قلب هذين الراكبين رحمة، ولا عندهم من الله خبر، يركبان معا الدابة يقطعان ظهرها، ويحملانها مالا تطيق، لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح وأجود».
فقال: «أسمعت؟».
فقال: «نعم».
فقال: «هات حتى نترك الدابة تمشي خالية من ركوبنا».
فساقا الدابة بين أيديهما وهما يمشيان، فاجتازا على جماعة فقالوا: «هذا عجيب من هذين الشخصين، يتركان دابة فارغة تمشي بغير راكب ويمشيان»، وذموهما على ذلك كما ذموهما على كل ما كان، فقال لولده: «ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال، فلا تلتفت إليهم واشتغل برضا الله جل جلاله، ففيه شغل شاغل، وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال».
أنت لست مسؤولاً عن إرضاء جميع، فالناس أذواق وأفكار ومشاعر مختلفة، كل واحد منهم يتصور نفسه على حق، وما يقوله هو الصواب، لذلك لا تستطيع أن ترضي غروره بما تقوله أو تقوم به.
حاول أن تفهم طبيعة الحياة، واعمل كما عمل الصوفي أبو الحسن الشستري، والذي أوصله إلى كل العالم العربي الفنان خالد الشيخ بألحانه وأحمد الجميري بغنائه..
شويخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني
وش عليّ أنا من الناس وش على الناس مني