قبل أيام نشرت في صحيفة «الوطن» مقالاً بعنوان «هل الطرارة جزء من عمل البلدية؟»، يومها علق أحد الأصدقاء، وهو أستاذ في إحدى الجامعات العالمية، قائلاً: «هناك الطرارة السياسية، والتي يقوم بها كثير من السياسيين، وخصوصاً العراقيين، وهؤلاء لا يقفون عند إشارات المرور، ولكن يقفون عند إشارات الأزمات، ينتظرون من عنده مال ليدفع، ينظفون أوساخهم وقذارتهم السياسية على قدر ما يأخذون من المال»، فوجدت من الضروري ألا يبقى هذا التشبيه الدقيق حبيس عدد قليل، وأن يتعرف الناس على «الطرارة السياسية» التي أضاعت العراق وأهله.
لم يعد المشهد الذي ظهر فيه عادل إمام في فيلم المتسول غريباً ومبهراً كما كان في ثمانينات القرن الماضي، وذلك عندما بدأ يتسول فتوسمت فيه عصابات التسول كاريزما «عزيز قوم ذل» فألبسوه بدلة أنيقة وراح يتسول «بالعملة الصعبة»، وأصبح أكثر دخلاً من زملائه «الطرارين». كما انهارت مدارس «الطرارة السياسية» العالمية التي وظيفتها تعليم رؤساء الدول الفقيرة وسائل التأثير على نظرائهم في الدول الغنية للحصول منهم على منح أو قروض يسيرون بها أمور بلادهم، أمام ما شهده العالم في العراق من بروز نوع جديد من السياسيين، يمارسون نوعاً جديداً من «الطرارة السياسية»، طرارة حولت بعض اللاجئين في بريطانيا والمرضى النفسيين الذين كانوا يتقاضون بسبب مرضهم منحاً مالية من الحكومة البريطانية إلى وزراء ورؤساء حكومات.
هؤلاء مارسوا نوعاً من «الطرارة» عوائدها المادية لا تقارن بأنواع «الطرارة» الأخرى، فقد جمعوا المليارات خلال سنوات قليلة، أما الطريقة التي تعاملوا بها فكانت كما ذكر صديقي، يقفون عند إشارات الأزمات، لكن هذه الأزمات مفتعلة بأيديهم وليست أزمات حقيقية، فهم يتبادلون الأدوار فيما بينهم؛ قسم يفتعل الأزمة والقسم الآخر يقف على إشارتها ليجمع ما يمكن جمعه، ذلك أن العراق منذ غزوه سنة 2003 وحتى يومنا هذا بلد فاقد للسيادة تابع لغيره، يدور في فلك إيران، ليس له سياسة مستقلة، ومن يتولى إدارته همه جمع المال على حساب البلد وأهله مع «انبطاحه» لإيران وليس انحنائه.
- اللي في الجدر يطلعه الملاس..
أحد السياسيين «الطرارين» الجدد كان في لندن يأخذ المساعدات الحكومية من دار العجزة بسبب ادعائه الإصابة بالكآبة الحادة، فيصرف له بدل الإيجار وبطاقة الصعود إلى الحافلات وغيرها من المنافع، وكان يدور على المجالس في لندن بعمامته يقرأ لهم مقابل 50 جنيه إسترليني، بعد أن أصبح سياسياً واشترى داراً فخمة بسبعة ملايين جنيه إسترليني، أوقف في مطار هيثرو واعترف بأن ادعاءه المرض كان أول مخالفة يرتكبها، فخير بين السجن أو غرامة مليون ومائة ألف جنيه إسترليني فدفع الغرامة، وهكذا فعلت أكثر من دولة غربية بمواطنيها «الطرارين الجدد».