ربما هناك إشارات برزت في التشكيل الوزاري الجديد؛ أهم هذه الإشارات هو تقليص عدد الوزارات وبالتالي تقليص عدد الوزراء، وهذا كان أحد مطالب الناس، كون البحرين بلداً صغيراً وكوننا نحتاج إلى تقليص المصروفات (أو كما تسمى في الميزانية العامة.. المصروفات المتكررة).
غير أن أكثر ما يهمنا كمواطنين اليوم (بعيداً عن الأسماء والوزارات) هو مسؤولية هذه الحكومة في النهوض والتنمية، ووضع الميزانيات في مكانها الصحيح مع وجود دعم خليجي لمشاريع الدولة، وأن نقدم لأهل البحرين المشاريع التي يحتاجونها والتي تشكل صلب حياتهم اليومية.
في ملف الإسكان كان قرار سمو رئيس الوزراء حفظه الله باحتساب راتب الزوج بدل دمج الراتبين قراراً أسعد الناس، وكنا ننتظر تنفيذه منذ زمن، فقد مر علينا وزراء وضعوا سياسات إسكانية بغية تقليص أعداد الحاصلين على خدمة «بيت الإسكان» حتى يحسب ذلك على أنه إنجاز لهم، ولكن هذه السياسات التي قصدت تقليص القوائم تقود إلى خطأ اجتماعي وديمغرافي كبير جداً لن تشعر به الدولة إلا بعد مرور سنوات، وبعد أن يقع الفأس في الرأس، وهو أن هذه القرارات استبعدت أناساً كثراً من أهل البحرين يستحقون بيت الإسكان، وكانوا ينتظرون ذلك سنوات طويلة، لكن القوانين أقصتهم عن خدمة يستحقونها وذهبت بالخدمة إلى مكان آخر تماماً.
بل إن الخدمة ذهبت إلى أشخاص (..) وبالتالي حرم أهل البحرين من بيت الإسكان، وهذا أيضاً يلقي بظلاله على أمور أخرى، مثل الدوائر الانتخابية، ومن يشكل الدوائر، ومن سيصل إلى المجلس النيابي مستقبلاً..؟
ليس هذا فحسب، بل يجب أن تعرف الدولة أن ذلك يشكل قنبلة موقوتة، حين تقصي أهل البحرين من حقهم، وتذهب بالحق باتجاه آخر، وأهل البحرين يتفرجون على مدن كبيرة تنشئ (المدينة الشمالية، شرق الحد، شرق سترة) وربما ليس لهم فيها نصيب..!
الذي راتبه فوق 900 دينار يكاد يكون في أزمة كبيرة، فهو ليس صاحب راتب كبير ليشتري لنفسه بيتاً، ولا وزارة الإسكان تمنحه بيت إسكان، فيخرج من المولد بلا حمص، يصبح معلقاً في الهواء، وهذا غير مقبول أبداً وغير عادل، حتى وإن تم استحداث خدمة السكن الاجتماعي، فهذه الخدمة تحتاج أيضاً إلى مبلغ كمقدم، بينما مبلغ القرض المستحق على المواطن يكون عالياً جداً وفوق طاقة الناس، بمعنى أنه قد يحصل على بيت من السكن الاجتماعي لكن لا يبقى له من الراتب شيء..!
لا أستعرض الإسكان فقط، لكني هنا أتحدث عن مشاكل الناس التي يجب حلها، لا يمكن لحكومة أن تنجح ما لم تضع أولويات المواطنين في أجندتها، وإذا فعلت ذلك، فإن هذه الأولويات تحتاج إلى وزراء أكفاء لتنفيذها، ولمراقبة عملهم من الحكومة نفسها، قبل أن يحاسب البرلمان الوزراء، أو أن تأتي الفضائح في تقرير ديوان الرقابة المالية والذي في الغالب ما يكون «منقحاً» أو أننا نشهد في السنوات الأخيرة تقارير رقابة (دايت)..!
الحكومة ستقدم برنامجها لمجلس النواب وعلى المجلس أن يمارس صلاحياته، لكن قبل ذلك، علينا أن نضع أولوياتنا لخدمة الناس والمقيمين بالبحرين، علينا أن نحصر كل أوجه القصور، أو النقاط التي لم يستطع وزراء سابقون إتمامها.
نطرح ذلك حباً في وطننا، وليس لنشير بإصبع القصور باتجاه أحد، ليس هذا همنا، المهم هو أن تنهض البحرين التي كانت سباقة في كل شيء، وقبل الآخرين في كل شيء.
وطننا يحتاج إلى نهضة كبيرة، تحتاج إلى تنمية شاملة، تحتاج إلى برنامج عمل قوي وصارم وبجدول زمني محدد، نحن أنفسنا يجب ألا نرضى للبحرين إلا أن تكون متقدمة، وصاحبة الريادة.
من أجل ذلك تحتاج هذه الحكومة لثورة على كل الأمور التي تعيق العمل الحكومي، وتعيق التنمية، وتعيق قدوم الاستثمارات للبحرين، وتعيق التجارة، وتعيق الاقتصاد، وأول هذه المعوقات هو الأمن، الأمن هو ركيزة التنمية والاقتصاد والتجارة، وإلا فلن يجدي أن تفعل ما نفعل وليس لدينا أمن، فلن يأتي للبحرين السائح، ولن يأتي المستثمر إن لم يكن لديك أمن.
افتحوا السواحل في العاصمة أمام الناس وأمام الاستثمارات، أشعروا الناس أن الدولة تعمل من أجلهم، وتقوم بتصحيح أي مواقف سابقة لم تكن موقفة.
الكثير من المستثمرين يعانون من الغلاء الفاحش في دول الجوار، ويريدون القدوم للبحرين كون الأسعار فيها مقبولة، وأقل من مثيلاتها بدول الخليج، فلماذا لا نستقطبهم، ونعطيهم ما يريدون، فهؤلاء سيخلقون فرص عمل، وسيزيدون من انتاجية الاقتصاد، وستزيد مداخيل الجمارك، وستدور عجلة التجارة أسرع بكثير من دورانها الحالي.
النهضة التي تحتاجها البحرين نتمنى أن تقوم على أسس صحيحة، وأولها مراجعة كل الإجراءات الحكومية المتعلقة بوزارات الخدمات، هل هي على أكمل وجه؟
ما هي أوجه القصور فيها، كيف نقدم خدمات ممتازة للمواطن والمقيم وتكون سريعة ومتقنة؟
كيف نحارب البيروقراطية في الوزارات، أو كيف نحارب الفساد في بعض الوزارات التي لا يتم إنجاز المعاملة فيها إلا (بالدفع)..!!
إذا أردنا أن نقدم خدمات نوعية ممتازة وسريعة ومتقنة، فعلينا أن نحصر كل السلبيات بشكل علمي وبأخذ تجارب الآخرين، وهذا ليس عيباً.
لفت انتباهي دمج وزارتين خدميتين في وزارة واحدة وهما وزارة الاشغال ووزارة البلديات، بالإضافة الى التخطيط العمراني، وأعتقد أن مسؤولية العمل في وزارة البلديات كبيرة، وتحتاج الى نهضه وعمل جبار يرفع مستويات الأداء ويقطع أيادي الفساد ان وجدت، ويقدم خدمات نوعية ممتازة وسريعة للناس، فهل الوزير عصام خلف يستطيع أن ينهض بذلك في وزارتين كبيرتين؟
وزارة الأشغال أصلا تعاني من تأخير المشاريع في الحكومة السابقة، فكيف لوزير واحد ان يقوم بعمل وزارتين كبيرتين تحتاجان إلى إنقاذ وعمل كبير؟
مشاريع التميز التي تقوم بها وزارة المتابعة هي مشاريع ممتازة ويجب الاستفادة منها، فهي تضع الأصبع على الجرح بشكل علمي وبرصد دقيق، وأعتقد أنه يجب أن نفعل دور برامج التميز، وأن نضع الملاحظات التي ترد في تقارير التمييز امام كل وزير لتنفيذها بشكل ملزم وبجدول زمني محدد.
هناك ملاحظات يوردها من يتعامل بشكل يومي مع الأجهزة الخدمية بالوزارات، وهذه الملاحظات تتضمن أمور منطقية، البعض يقول لا يجدي تغيير الوزير فقط، بينما الأدوات الأخرى بالوزارة على حالها، ولا تحاسب، ولا تجدد، بمعنى أن الوزير الجديد لن يستطيع أن يفعل الشيء الكثير بأدوات قديمة تقوم على البيروقراطية وربما الفساد، وقتل العمل بالتأخير، والمماطلة، وعدم الشعور بأهمية سرعة الإنجاز وتقديم خدمات نوعية متطورة.
هناك وزارات متخصصه لا يمكن التجريب فيها، بل تحتاج إلى أهل اختصاص من المجال والمهنة، وقد حدث سابقا اننا لم نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإذا فعلنا هذا مجدداً، فإننا نحن أنفسنا من نعيق تطور وتقدم البحرين، وليس الآخرين، ونحن من نعيق التنمية، فالوقت في (عمر الأوطان) مكلف للغاية.
رغم تقليص الوزارات، وتقليص الوزراء، وهي خطوة إيجابية لمواجهة انخفاض الايرادات النفطية، إلا ان البعض ايضا اخذ يتخوف من أن هذه الوزارة الجديدة قد يطرأ عليها تعديل في وقت لاحق، هكذا تنبأ البعض ولديهم مبرراتهم.
** مع تحويل بعض الوزارات إلى هيئات، فهذا يعني أن هذه الهيئات تحتاج إلى وزير مسؤول امام مجلس النواب.
** تقرير ديوان الرقابة المالية الذي يتوقع أن يصدر قريباً، ستسقط منه فصول عدة تتعلق بالوزراء السابقين، وستبقى بعض الوزارات كون الوزراء مازالوا يشغلون مناصبهم فيها.