الحياة تجربة؛ والتجربة تعني التعلم، والتعلم يعني أنك تذهب إلى منطقة ترى فيها إلى ما حولك وداخلك بصورة أكثر سطوعاً، ربما في الكثير من الأحيان كل واحد منا مر بتجربة قاسية تركت ندوباً وجراحاً، بعضها يبقى ما بقى الإنسان على وجه الأرض.
هذه الجروح التي كانت في الماضي لا تستطيع المغادرة، خاصة إذا ما كان صاحبها يرى فيها مساحة الراحة، بمعنى أنه بتذكرها يستطيع أن يعيش مرتاحاً، بأنه ليس هو سبب المشكلة التي يعاني منها، إنما هناك آخرون هم الذين وضعوه في هذه الحالة القاسية جداً.
قبل فترة اتصل بي أحد المعارف وقال إن الجميع ضده؛ والديه، إخوته، الأصدقاء، لا يوجد أحد منهم يقف معه، وهم الذين أوصلوه إلى هذه الدرجة من اليأس.
مثل هؤلاء دائماً يريدون أن يعلقوا أخطاءهم على الآخرين، مقتنعين كل الاقتناع أن الآخرين هم سبب تعاستهم.
هؤلاء لا يعرفون أن الآخرين هم امتداد لأفكارهم ونظرتهم إلى داخلهم، وطبيعتهم التي لا تريد شيئاً آخر غير ما يرونه في الحياة.
الماضي مضى ولا وجود له إلا في زوايا الذاكرة، ولم يبق منه إلا ما نريد نحن أن نبقيه، كما قلت من أجل الشعور بتعليقه على مشاجب الظروف والآخرين، وإلا قمنا بحذف جميع ملفاته وأعدنا تنظيف داخلنا.
الكثيرون لا يعرفون الطريقة المثلى لتنظيف أنفسهم من الماضي وإعادة الحيوية والتدفق إلى حاضرهم الذي هو كل ما يملكون.
ودائماً ما أرى أنه إذا كنت تريد أن تتنظف من جراح الماضي ما عليك إلا العودة إلى الماضي، وقت الحدث أو الظرف، وإعادة تغير هناك.
لا يمكن أن تغير ماضيك إلا أن تكون هناك وتعمل على شطبه من الذاكرة أو من عقلك الباطن، وكما نعرف جميعاً أن العقل يحتفظ بكل ما مر عليك من تجارب ولا يستطيع أن يتخلى عما حصل عليه، إلا بوجود حالة مماثلة في الزمن والحدث والظرف.
تعال معي الآن نذهب إلى الماضي ونرى الوضع السلبي أو الجرح القاسي، لتغيره تغيراً تاماً وإحلال محله وفي مكانه شيئاً إيجابياً؛ لنذهب إلى إحدى الصفعات التي حصلت عليها من أبي في الطفولة المبكرة حينما كسرت النرجيلة، كنت «أبكرها» له، أي أملؤها بالماء الجديد، سقطت دون قصد، وتصور أبي أنني تعمدت كسرها لكي أتخلص من هذه المهمة شبه اليومية التي أقوم بها دون رغبة.
عدت إلى هناك، غرفة المعيشة، شممت رائحة الدخان في المطبخ، استمعت إلى صوت أبي وهو يتكلم مع أخي عن أوضاع سوق السمك، عشت لحظات كسر الكدو أو النرجيلة، خرجت من المطبخ وعندي ثقة أنني لم أكسر الكدو متعمداً، نظرت إلى وجه أبي وأنا أحمل الكدو المكسور، لم يكن مستاءً أو غاضباً، قال أبي: «هذا الكدو أصبح قديماً لابد من شراء كدو غيره»، ثم وضع يده في جيبه وأعطاني نصف روبية وهو يبتسم. ابتسمت فرحاً.
حيننا عدت إلى الحاضر، ما كنت أعانيه من جرح شعرت أنه اندمل، لا وجود لجرح بقدر ما هي حالة من حالات الفرح التي وضعتها هناك، وشكرت المرحوم أبي على ما قام به من فعل طيب.
ما قمت به هو تنظيف الجرح القديم من داخلي وإحلال الجديد الممتع والمشوق والرائع في تلك الحادثة التي كانت قاسية وسيئة في حياتي.
أنت من الممكن أن تدخل معي في ماضيك وتقوم بتغيره، عد إلى الماضي، إلى الجرح، إلى الحدث، ادخل في كل تفاصيله وحول كل ما هو سلبي إلى إيجابي، وسترى نفسك أكثر حيوية وخال من كل الجراح القديمة، خوض التجربة ربما تتخلص من جراح ماضيك.