بهذا المقال أعد القارئ الكريم أن تنتهي ثلاثيـــة «المصالحـــة الخليجيـــة»، وهــــي سلسلة مكونة من ثلاث مقالات كتبتها حول المصالحة في 16 نوفمبر بالريـاض 2014، وكان أولها بعنوان «غياب المحور الشعبي عن المصالحة الخليجية»، ثم مقال «تحصين المصالحة الخليجية»، واليوم أكتب ثالثهما عما ينقص هذه المصالحة.
لقد دفعني للتذكير بها غبطة وسرور المراقب بخبر توجه رئيس مجلس الشورى السعودي عبدالله آل الشيخ إلى قطر على رأس وفد سعودي يضم عدداً من أعضاء وكبار موظفي مجلس الشورى للمشاركة في الاجتماع الدوري لرؤساء المجالس التشريعية في دول المجلس، وكأن إنهاء القطيعة استجابة منهم «للومنا» لهم على غياب المحور الشعبي الخليجي، فكيف ونحن مجتمع تعتبر فيه المبادرات الشعبية للمصالحة آلية محلية ناجحة للقفز فوق عسر القوانين وطول إجراءاتهما فلما لا تكون «الجاهية الشعبية» آلية للقفز فوق معوقات التعاون الخليجي! كما إن مما يسعد المراقب الخليجي أن اجتماع البرلمانيين الخليجيين هو استجابة لما ذكرنا من ضرورة تحصين المصالحة الخليجية بجعل الشعب الخليجي شاهد عليها، عبر هياكل المجالس والبرلمانات الخليجية.
ولأن لكل حرب ضحاياها، ومعظم ضحايا الحروب هم الجنود وليس الضباط، وبما أن ما جرى كان مماحكات إعلامية فقد انجلت الأزمة عن ضحايا من الكتاب والصحافيين والإعلاميين والتويتريين والشعراء، حيث جند كل طرف سرايا عديدة منهم، ثم تصالح الشيوخ وعاد السفراء فيما بقي الضحايا يتزاحمون على قوائم ممنوع الدخول في المطارات والحدود الخليجية؛ فلماذا يستمر تحميل هذه المجموعة كل تبعات ما جرى؟
المعروف أن كل طبقة سائدة تفرض ثقافتها؛ وثقافة تلك المرحلة المتوترة كانت التقاذف، فلم يكن هذا مقبولاً من كاتب في دولة خليجية ألا يكون جزءاً من الصراع من باب عدم قبول من «لا يرمي ولا يجمع الحصى»، ومن جراء ذلك لم ينأ بنفسه من تلك الغارات الافتراضية إلا من رحم ربي، ولم تكن قوائم الممنوعين الخليجيين من دخول دولة خليجية أخرى بأمر جديد؛ فقد سبق أن كتبنا فيه مقال «ممنوع دخول الخليجـــي» في أبريل 2013، حيث ضمــت قوائم الممنوعين الخليجيين رجال دين وناشطين سياسيين ومغردين ومحرضين، وجلها نتيجة تحريض رجال دين ضد رجال دين وإعلاميين وكتاب ضد بعضهم بذريعة إهانة الدولة ورموزها، واقترحنا في حينه أن من الأجدى رفع قضية على الممنوع من دخول البلاد في وطنه ورد كرامة الدولة المانعة عبر القانون، بدل منعه وخلق بطل تويتري، وكيف أن بعض دول الخليج رفعت بضغط من الأمم المتحدة قرارات كانت تمنع المصابين بالإيدز من دخول أراضيها بينما مازالت تمنع دخول بعض الخليجيين، فكيف جعلت آراءهم أشد خطراً من الإيدز.
كما نكرر القول إن قوائم المنع تهدم مشروع الوحدة الخليجية المستقبلية في العمق، ونخاف أًن ينهار المشروع الخليجي القائم لأسباب تافهة كالتوسع في إجراء (ممنوع من دخول البلاد)، ويقابله إجراء (المعاملة بالمثل)، فتطيح بكل طموح توهمي بأننا نتلمس أطراف الوحدة الخليجية، نكرر دعوتنا ونطلب عون البرلمانيين الخليجيين ليتبنوا قراراً بتصفير قوائم الممنوعين الخليجيين لأسباب تتعلق بالأزمة الماضية، فالمصالحة مشروع كامل ولبنة في بناء صرح التعاون الخليجي.
وهنا أعيد سؤال طرحته سابقاً على الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون وهو؛ كيف اشتملت الاتفاقية الأمنية الخليجية في الفصل 5 على 13 بنداً حول تسليم المواطن من بلد خليجي إلى آخر، دون إشارة واحدة إلى آلية لرفع المواطن لاسمه من قوائم المنع الخليجية؟ لا نبحث عن جواب؛ بل عن إجراء بإدراج هذا البند ضمن جدول أعمال قمة الدوحة ديسمبر 2014.