حينما جئنا إلى فضاء الدنيا لم نترك هكذا من غير أية حماية؛ إنما أدوات الحماية من كل الأمراض خلقت معنا وفينا، وتوفرت أكثر مما نتصور في أرواحنا التي لا تكف عن عملية الامتداد والتجدد والتوسع.
فليس الأطباء هم من يقومون بشفائنا مما يصيبنا من أمراض؛ إنما أجسادنا تقوم بهذا الفعل بكل سهولة ويسر، بشرط أن نؤمن بأن الشفاء من كل شيء داخلنا، وما علينا إلا استدعاء هذا الشفاء ليقوم بعمله بصورة ميسرة.
وعملية الاستدعاء تكمن في الإيمان؛ الإيمان المطلق بأننا لا بد أن نحصل على ما نريد، فكل شيء نؤمن به سنراه أمامنا بعد فترة قد تطول أو تقصر، حسب قوة الإيمان التي نملك.
نحن عبر التجارب اليومية والظروف التي نمر بها نكون عادات ومعتقدات مبنية على تجارب، ولا يمكن أن نغيرها إلا من خلال عادات جديدة تسكن العقل الباطن، هذا المخزن الهائل القادر على احتواء آلاف المجلدات من الكتب؛ بل أبالغ عندما أقول مجرات من الكتب، لأن العقل الباطن يحمل داخله الكون، ومن طبيعة العقل الباطن أن يصدق كل ما نحمله من هذه المعتقدات دون نقاش.
من هنا دائماً ما أقول إن الذات البشرية أو الإنسانية تساوي الكون؛ بل هي أعظم من هذا الكون، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الكون من أجل الإنسان الذي خلقه وفي أحلى صوره.
فإذا فكرت أنك تعيش البؤس اليومي ستظل على هذه الحالة حتى مفارقة الحياة، وإذا شعرت أنك مظلوم ستواصل الإحساس بالظلم ولو أعطوك كنوز الدنيا، وإن شعرت أن الحب يغمر قلبك ويغمر حياتك سترى الحب يستقبلك حتى في ذروة الحزن والألم، كل شيء في هذه الحياة أساسه أنت، أفكارك، معتقداتك، آراؤك.
قبل عدة أيام التقيت بأحد الشباب وظل يكرر أن أهلي يكرهونني، ويقول في نبرة لا تخلو من البكاء: «لماذا يكرهوني؟!»، قلت له محاولاً التخفيف عليه إنهم لا يكرهونك، إنما هذه طريقتهم لحمايتك من الوقوع في الألم والعمل على إسعادك.
الواقع أنني لم أقل له إن شعورك بفقدان الحب هو مشكلتك الأساس، فأنت من يصنع المحبة وأنت من يصنع السعادة وأنت من يسير نحو التألق والنجاح.
نعرف أن هناك من يقوم بسرقة الآخر أو ظلمه أو السخرية منه أو النيل من نجاحه، لكن الإنسان المؤمن بأن يعيش سعيداً، حراً، راضياً، لا يهتم بهذه الأمور العابرة، بل يكاد لا يراها.
هناك من يسمى عدم الاهتمام بالعابر اليومي الزائل، إن صاحبه ميت الشعور والإحساس، في الوقت الذي أرى فيه قوة الحكمة وقمة العقل، فالإنسان الحكيم القوي المؤمن الحقيقي هو من يرى الأمور كما هي عابرة، ويساوي بين قمة الحزن وقمة الفرح، بين البكاء والضحك وبين الموت والولادة.
إذا استطعت أن تكون بهذا المنطق ثق أنك إنسان حكيم يحتاج إليك المجتمع الذي تطحنه المشاكل اليومية بين الناس أو بين الشعوب والقيادة، وبين الدول والدول.
وفي كثير من الأحيان أقول إنه لا توجد أية مشكلة، فكل ما يحدث لك لا يمثل مشكلة بقدر ما يمثل كيفية استقبالك للحدث، فإذا مات أحد من أهلك لا يستدعي أن تصرخ لماذا مات، ولماذا يغادر الدنيا، لأن هذا تدخل سافر في أمر إلهي لا شأن لك به، ما عليك إلا أن تقول يرحمه الله ويحسن إليه ويسكنه فسيح جناته.