التقارير التي تحدثت عن بلوغ عدد المتقاعدين من أصحاب التقاعد المبكر 80% من مجموع الذين تقاعدوا مؤخراً، تعني الشيء الكثير مما يصنف في الجانبين الإيجابي والسلبي، أو من المنافع والأضرار.
فالموظف الحكومي الذي كان يعرف على أنه موظف غير منتج أو بالأحرى متدني الإنتاجية، وأن العمل في الحكومة ليس للإنتاج وإنما للمحافظة على الدوام والالتزام بتوقيت الحضور والانصراف، هذا الموظف أصبح يشعر اليوم أن وجوده وعدم وجوده على رأس العمل متساويان، أي أنه لا يشعر بأنه منتج ولا مطلوب منه الإنتاج، وبالتالي فالأفضل له التقاعد المبكر والاستفادة من الحوافز التي تجعل معاشه التقاعدي قريباً جداً من راتبه. هذا الانطباع أو التصور هو الذي أدى في السنوات الأخيرة إلى إقدام أعداد كثيرة من الموظفين على طلب التقاعد المبكر، وفي الوقت نفسه وجدت الجهات الحكومية التي تضم جميعها حوالي 53 ألف موظف وتشتكي كلها تقريباً من بطالة مقنعة وتأمل بالتخلص من 50% على الأقل من عدد موظفيها دون أن يتأثر الإنتاج ولا حجم العمل، وجدت هذه الجهات نفسها تشجع هؤلاء الموظفين على التقاعد المبكر. تقليص عدد موظفي الدولة هو ما طالبت به الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية منذ العام 2009 بهدف تقليل الأعباء المالية المترتبة على الباب الأول في الميزانية العامة للدولة، لكن هذا التقليص لا يجب أن يتم عن طريق تشجيع أو تسهيل التقاعد المبكر، فالأعباء المالية للموظف المتقاعد مبكراً تنتقل من الميزانية العامة ومن مخصصات الرواتب والأجور إلى صندوق التقاعد بالهيئة العامة للتأمينات، حيث يلتزم هذا الصندوق بدفع المعاش التقاعدي للموظف في غياب مبلغ الاشتراك الذي كانت تدفعه الجهة التي يعمل بها الموظف وهو ما أدى إلى التحذير من حدوث عجز مالي في إيرادات الصندوق التقاعدي يتطلب تغطيته إما من تمويل إضافي حكومي أو من إيرادات الاستثمارات. وبعبارة أخرى فتقليص عدد موظفي الحكومة مطلوب ولكن ليس بأسلوب التقاعد المبكر، ولا بالتوظيف الجديد والبديل للموظفين المتقاعدين مبكراً وإنما بدعم التوظيف في القطاع الخاص.