في أجواء ضمور الروح الأخوية بين بغداد ومحيطها الخليجي زمن رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء العراقي، نشط أصحاب مقولات محددة كادت تتحول إلى ثوابت وتصف العلاقات الكويتية العراقية بالصدام لا بالتقارب، وفي ثناياها ميناء مبارك وصيانة العلامات الحدودية. ولدحض ذلك من باب ان مسار التقارب غير قابل للارتداد وافقت الكويت على تأجيل تسديد آخر دفعة من التعويضات المفروضة من الأمم المتحدة على بغداد جراء الغزو العراقي الغاشم 1990م، والبالغة نحو خمسة مليارات دولار لمدة عام واحد، وهي جزء من تعويضات تبلغ قيمتها 52.4 مليار دولار يتعين على العراق تسديدها لنحو مائة من الحكومات والمنظمات الدولية .
وتستمد الموافقة الكويتية على تأجيل حمولتها من توجه لم يقع في الجزئيات المرهقة الملهية المستنزفة، توجه بدأ به أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد من ضرورة مساعدة بغداد لتجد طريق عودتها للعالم العربي عبر مياه الخليج من موانئ الكويت، فزار بغداد إبان عقد القمة العربية الثالثة والعشرين في ربيع 2014م لإخراج العراق من عزلته الخليجية. كما دعمت الكويت جهود العراق في فرض الأمن ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية بفتح أجواء وأرض الكويت لاستضافة القوات التي تشارك في حرب داعش. كما أن للعراق في نفوس بعض الكويتيين حفاوة خاصة ليست لأسباب عقائدية فحسب؛ بل وعلاقات تجارية أيضا، فالكثير من رجال الاعمال الكويتيين يستثمرون بعد سقوط البعث بشكل كبير في جنوب العراق، وهي استثمارات نشطة قد تشكل لوبي ضغط يشجع الحكومة الكويتية للارتقاء بالتعاون مع حكومة بغداد.
وتأتي في السياق نفسه أول زيارة يقوم بها رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى للكويت، حيث نتمنى ان يرد التحية للكويت بمثلها، إن لم يكن باجمل منها. وان تكون تحيته أكثر حرارة من ردة فعل المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة العراقية سعد الحديثي، والذي لم يجد في قاموسة على موافقة الكويت على تأجيل دفع التعويضات لعام واحد إلا انها «محط ترحيب» من الحكومة العراقية، وهي ردة فعل تفتقد للحميمية والحرارة العراقية المعروفة، أو تتدثر بالتبسيطية الفضة. فلو تجاوز الحديثي النسق الذهني المسيطر على فئة قليلة في بغداد والمتمثل فى سيادة فكرة أن الكويت جشعة وتطالب العراقيين بدفع تعويضات ظالمة؛ لو تجاوز ذلك لوجد أن المسوغات التي دفعت كأسباب لتأجيل سداد الدفعة الأخيرة تشمل:
- أزمة اقتصادية قاسية نتيجة انخفاض أسعار النفط عالمياً.
- الكلفة المالية الضخمة التي تخصصها بغداد للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» المسيطر على أجزاء كبيرة من العراق.
- دفع تعويضات بمبالغ طائلة للنازحين ممن دُمرت منازلهم على داعش، كما تعوض ضحايا النظام السابق، وتعوض المواطنين من ضحايا الإرهاب.
لقد قامت الكويت بدوافع الجيرة والأخوة بتجاوز أن هذه هي الدفعة الأخيرة، والأموال في خزانة العراق متوفرة كما ذكرت بغداد نفسها، ولو دفعوها وانتهوا لاغلقوا باب عملية مريرة استمرت ما يقارب الـ 25 عاماً، ولفتحت آفاقاً جديدة لعلاقات أخوية. كما أن موعد الدفع يستحق في أول يونيو 2014م وهي ستة أشهر يمكن أن يرتفع فيها سعر النفط. كما أن أزمة انخفاض أسعار النفط بمضمونها التهويلي لها تبعات على الكويت كما هي على بغداد، وتأجيل الدفع عبء إضافي على الكويت وفسحة للميزانية العراقية. أما حرب داعش فكلفتها مضاعفة بناءً على ما كشفه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نفسه من أن أكثر من خمسين ألف «جندي وهمي» مسجلين رسميّاً على قائمة رواتب الجيش والشرطة العراقية. ومع ذلك قبلت الكويت التأجيل «فدوة لعيون بغداد».