لاحظت الأم أن ابنها الشاب المدلل بدأ يسرف كثيراً في مصروفه الذي يأخذه منها بعد وفاة أبيه، فقررت إنقاصه، إلا أن الشاب لم يوافق على السياسة المالية الجديدة واعترض بشدة لدرجة أنه أساء الأدب معها، فأقسمت أن ترفع عليه شكوى.
كان ذلك أيام الدولة العثمانية، فذهبت إلى حجي أحمد آغا «رئيس الجندرمة» أو الشرطة، وشرحت له تصرف ابنها معها، فامتعض وقال لها «هازا عمل قبيح كيف ولد يشتم حضرتكم»، وعلى الفور نادى الجلاد وأمره بمرافقة الأم وإحضار ابنها بالقوة إليه، لكن المفاجأة كانت عندما خرج الجلاد وهو ضخم مدجج بالسلاح والشرر يتطاير من عينيه، فالأم خافت على ابنها منه ورق قلبها وفي الوقت نفسه لا تستطيع التراجع عن الشكوى، وفي الطريق أشارت إلى شاب لا تعرفه وقالت هذا ابني، فسحب الجلاد ذلك الشاب بعنف وأخذه إلى مقر حجي أحمد آغا، والشاب يتوسل بالجلاد ليعرف سبب اقتياده لكن دون جدوى.
عند وصوله بدأ حجي أحمد بالتحقيق معه شخصياً، وقال له إنت ليش تكلم أمك بكلام يغضب ربنا، فقال الشاب: حجي، أمي ميتة من زمان وهذي المرأة ما أعرفها، فقال حجي أحمد: هذي مصيبة أكبر تنكر أمك بعد، وغضب غضباً شديداً والشاب يتوسل وهو يكتب حكمه، ولما انتهى قال للجلاد خذه واجلده إذا أصر على نكران أمه، أما إذا اعترف بها فعليه أن يحملها على كتفه ويدور بها في شوارع المدينة حتى يصل إلى بيتها، كل ذلك والمرأة صامتة لا تتكلم، فوافق الشاب على الاعتراف بأنها أمه وحملها على كتفيه، وحتى يتأكد من تنفيذ الحكم أمر الجلاد بالسير خلفهما، وفي الطريق التقى الشاب بأخيه الذي قال له: ويلك من هذه المرأة، فقال هذه أمنا! قال أمنا ماتت من سنين! قال: أنا أعرف لكن روح فهم حجي أحمد آغا!
هذا ملخص لواقع من يسمون أنفسهم بقيادة المعارضة البحرينية وأزمتهم مع جمهورهم وفقه الواقع، فالجمهور يدرك أن مقاطعة الانتخابات طريق لا يوصل إلى شيء وجربوا ذلك في الدورة السابقة، كما أنهم أدركوا جيداً أن أعمال العنف لن يجنوا من ورائها سوى العزلة، وهم يرغبون في الترشح والمشاركة، لكن تبعيتهم جعلتهم تحت سطوة وسيطرة أفقدتهم حرية الاختيار، وإلا ما معنى أن يتقدم شخص للترشح وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة يسحب ترشحه خوفاً على نفسه وممتلكاته، وآخر تحرق سيارته، وليتهم يعرفون لماذا يمنعون من الترشح والمشاركة، إنما هي أوامر تأتي لتنفذ بالتهديد والإرهاب، والناس تعرف أين مصلحتها وما هو الخيار الصح بالنسبة لهم، لكن إذا اتخذوه جلدتهم الميليشيات، وإذا سكتوا على مضض أصبح لسان حال أحدهم يقول نعم نعرف صالحنا وما هو القرار المناسب لكن روح فهم الوفاق آغا!.