لا صوت يعلو فوق صوت الفتوى ولا رأي لمختص بعد رأي سماحة العلامة..
فأين هي الديمقراطية وكيف سنبني الدولة المدنية؟


أول مخالفة صريحة للعملية الانتخابية هي البيان الصادر عن الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبدالله الغريفي؛ فمقاطعة الانتخابات أو المشاركة فيها هي جزء من ممارسة الحرية الديمقراطية، واستخدام الفتوى الدينية أو ما يقوم مقامها هو عودة لإضفاء الصبغة المقدسة على الممارسة الدينية. وهو توجه ثيوقراطي يتنافى مع دعاوى الديمقراطية والدولة المدنية التي تحرق الجماعات المعارضة البحرين يومياً تحت ذريعتها.
الدولة المدنية التي تتغنى جميع فئات المعارضة باسمها، لا وجود فعلي لها على أرض الممارسة. فالدولة المدنية في أبسط معانيها هي دولة يحكمها القانون، وهي دولة تستقل مؤسساتها عن أي مؤثر غير قانوني مثل الدين أو العرق أو المصالح الحزبية والاقتصادية الفئوية. ولا يعني أن تستبدل الوفاق أو غيرها من الجمعيات الصف الأول من القيادات المعممة بصف آخر من قيادات ترتدي ربطات العنق أنها قد اتجهت نحو المدنية ودولة القانون.
فمازالت القيادة الأولى للوفاق قيادة عمائمية مرجعيتها رجال الدين خارج البحرين. ومازالت هذه القيادات العمائمية صاحبة الأمر والنهي، ومالكة الرأي الأول والمرجح لكافة القضايا السياسية وآخرها نهي المواطنين عن المشاركة في الانتخابات، (فلا وجه فيما يراه العلماء للمشاركة في الانتخابات من أي نوع من الجهات التي ينبغي النظر إليها في قرار المشاركة أو عدمها) كما جاء في البيان.
وإن كان العلماء لا يرون وجهاً للمشاركة في هذه الانتخابات، فلربما كان لها وجه في رأي غيرهم، من أهل الاختصاص في القانون والسياسة، أو من أهل المصالح من الاقتصاديين ومن المواطنين الطامحين للأمن والاستقرار. ولكن لا صوت يعلو فوق صوت الفتوى، ولا رأي لمختص بعد رأي سماحة العلامة.. فأين هي الديمقراطية وكيف سنبني الدولة المدنية؟
إن إعلان مقاطعة الانتخابات عبر بيان ديني لا يعكس العقلية المتحكمة في اتخاذ القرار السياسي عند تلك الجماعات أو (الجمعيات) فحسب، بل سيضفي الشرعية أمام كل الممارسات الإرهابية التي تعرض لها المترشحون للانتخابات من تخوين وحرق لممتلكاتهم وإجبار على سحب أوراق الترشح. وستزيد من العمليات الترهيبية التي سيتعرض لها من يحاول الخروج من بيته للتصويت يوم الاقتراع. ستعود القوائم الإيمانية المقاطعة للظهور وستفتح لوائح جهنم أمام المخالفين ممن ستعلق أسماؤهم في قوائم العار.
تلك الممارسات الجبرية هي عدو الديمقراطية الأول، فلا يمكن لمتصدريها ومرتكبيها محاربة الفساد أو العمل على خلق فرص العدالة والمساواة بين المواطنين. ويعجز هؤلاء عن صياغة مشروع سياسي يستوعب جميع فئات الوطن وينهض بالبحرين لمصاف الدول المتقدمة.
واجب الجهات الأمنية حماية المواطنين من إرهاب تلك الجماعات الجبرية. وواجب جمعيات حقوق الإنسان رصد تلك الانتهاكات والخروقات وفتح باب الشكاوى وتبليغ المواطنين من كافة الفئات عن أشكال الترهيب التي قد يتعرضون لها مثل الرسائل النصية أو المنشورات التكفيرية أو الاتصالات الهاتفية أو إتلاف الممتلكات الخاصة وترويع الأهل والأطفال.
يبدو أن انتخابات هذه الدورة لن تكون سهلة على المقاطعين وسيستخدمون جميع الوسائل وبقسوة لإيصال رسالة للحكومة أن زعامات المقاطعة هم المسيطرون الحقيقيون على الشارع.. وأنهم هم الطرف الأقوى، وأنهم قادرون على إفساد دورة الحياة السياسية التي تقودها الحكومة. وكل ذلك في حقيقة الأمر يجعل من جمعيات المعارضة التي انتهجت هذا المسلك أو سكتت عن أخطائه بعيدة بمراحل عن الحالة الديمقراطية، وغير مؤهلة للحديث عن العمل السياسي، بل إنها مازالت تقيم في الشارع وتنتهج سلوك الشارع.