في طفولتنا التي كانت لا تهتم سوى باللعب، جميع أنواع اللعب، الخشنة والهادئة، الجسدية والذهنية، الفردية أو الجماعية، لم نكن مشغولين بأمور الدين ولا بالأمور السياسية، إنما نتلقاها مما حولنا، وكنا نعرف من أمور الدين الأساسية الصلاة والصيام، وكنا نسمع قصة النبي الأمي العظيم فننبهر بها. شخصياً كنت منبهراً، ولا زلت، من قوة الإيمان الكبيرة التي كان يملكها محمد، قوة هائلة تستطيع أن تحرك الجبال، وقناعة تامة كاملة برسالته السماوية، وربما الكثير منا يعرف قصة رفضه لكل ما حاولت قريش أن تبعده عن مواصلة رسالته السماوية، ولكننا نعيدها الآن هنا من أجل التأكيد على قوة هذا الإيمان الذي لا يمكن أن يتزعزع. فقد طلب أبو طالب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الكف عن الدعوة، قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشاً حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا بن أخي، إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق؛ قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته، قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا بن أخي، قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً. هنا لا يمكننا أن نلوم أبا طالب على حديثه مع النبي في بدء رسالته، لأنه كان همه أولاً وثانياً تجار قريش، وهو الأفضل من يحمل رسالة التجار الخائفين على تجارتهم من هذا الدين الجديد. ولكن موقف النبي، إيمانه الكامل بالرسالة التي جاء لنشرها على الناس كافة، ووعيه التام، بأنه سوف يلاقي الكثير من المتاعب من هؤلاء والمجتمع الذي جاء لتغييره من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن. إيمان النبي القوي هو الذي جعله يتغلب على جميع المصاعب التي صادفته بعد ذلك، من سخرية التجار برسالته الجديدة، وتعذيب المنتمين إلى الدين المختلف وضربه في الطائف، حتى كسرت إحدى أسنانه. ثم التآمر عليه لقتله، فكانت والهجرة هرباً في الليل إلى يثرب من أجل مواصلة دعوته وإبلاغ رسالته. ومن خلال بحثي في سير العظماء، وجدت أن الإيمان هو السر الوحيد الذي جعلهم يسيرون إلى ما يحلمون برؤيته، ليس في موضوع الدين، إنما في جميع مواضيع الحياة. الإيمان باب الدخول إلى تحقيق الحلم. ومن الكلمات القوية التي استوقفتني عنوان احد الكتب الهامة في التنمية البشرية وهو (عندما تؤمن به ستراه) بمعنى لا يمكن أن تحقق شيئاً دون الإيمان برؤية هذا الشيء. من هنا أقول لنفسي أولاً، وأقول لكم؛ إذا أردتم أن يتحقق لكم ما تحلمون آمنوا به أولاً وسترونه أمامكم بعد بعض الوقت.