حالة واحد فقط يفرض فيها المترشح نفسه على الناخبين ويصل لقبة البرلمان رغماً عن أنف أبناء دائرته وهي «التزوير»، عدا ذلك فإن كل من يصل إلى المنصب فهو بأصوات أبناء الدائرة.
صحيح أن توزيع الدوائر يساهم في توزيع القوى السياسية ومناطق نفوذها، وصحيح أن المال السياسي ممكن أن يتدخل لصالح بعض المترشحين، لكن في النهاية حين يقف الناخب خلف الستارة ويضع ورقة التصويت ليس بينه وبين ربه حجاب، ولا أحد يستطيع أن يخمن أو يفرض عليه اختياره.
لذا فإلى الذين «يتحلطمون» على النواب ويصيحون ملينا منكم كفى، سواء تصايحوا في المجالس أو في وسائل التواصل الاجتماعي، نقول لهم إن ذلك من فعل أيديكم لأسباب عديدة، الاختيارالسيئ أحدها، إنما هناك أسباب عديدة حرمتنا من قيام كتل سياسية قوية بشخوصها وقوية بمواقفها.
تسبق مرحلة الانتخابات مرحلة العمل السياسي من خلال الأحزاب أو مستقل وهنا «المطبخ» هنا تحضر المقادير وتطبخ الوصفة، أما يوم التصويت فأنت تذوق فقط ما طبخته طوال السنوات الأربع الماضية أو أطول من ذلك والناخب كالمترشح طباخ دوره لا يقل عن دور المترشح أبداً.
جمعياتنا السياسية نخرها السوس من الداخل قبل أن تنخر بسوسها في عظامنا، تملك قوة طرد مركزية جبارة، طردت من داخلها كفاءات وقدرات وأشخاصاً مخلصين لأن دائرة القمة تضيق بنقدهم وبصوتهم وبآرائهم المختلفة وهنا الكلام للجميع بلا استثناء حتى الوفاق .. نعم حتى الوفاق هجرت ونفرت من داخلها أصوات عديدة متزنة أعرف بعضها الذي اضطر إلى الانطواء والانزواء لأن «السيد» غير راضٍ عنه.
وهكذا الحال في كل الجمعيات السياسية التي تشظت وتبعثرت وانفض الناس من حولها كلها بلا استثناء ولديكم القائمة استعرضوها، لأنهم لا يستشيرون وإن استشاروا لا يسمعون «الشور» وللعلم قبل أن نلوم قيادات الجمعية لنتذكر أنهم لم يعينوا من قبل السلطات ولم ينبتوا «فقعاً» بل اختارهم الأعضاء أنفسهم ثم بعد ذلك ندموا على اختيارهم.
حتى إذا ما جاء يوم اختيار القوائم لم تجد الجمعيات غير من تسلق والتزم الصمت وفضل أن يسير جنب الحائط من أجل أن يبقى إلى هذا اليوم فطرح نفسه أو قدمه السيد لأنه خادم مطيع له.
لا نملك الثقافة الحزبية تلك التي لديها رؤية مستقبلية للحزب، بمعنى تنظر للحزب كحكومة ظل مستقبلية بغض النظر عن إمكانية وصولها لموقع تشكيل الحكومة من عدمه، بل تستعد لذلك اليوم بتعزيز قدرات في إدارة الدولة وتفتح باب التنافس وتكافؤ الفرص بعدالة داخل الحزب.
للأحزاب العريقة فرق استكشاف تجوب الجامعات ومدارس الثانوي تبحث فيها عن الطاقات الشابة التي ترى أن لها مستقبلاً يقوي ويعزز من قدرات الحزب وإمكانياته كي يتعهدوه مبكراً، والانتخابات الحزبية لا تقل عن الانتخابات النيابية ثقلاً، فلا تنزل فيها أسماء إلا وقد اكتمل نضجها وخبرتها وإعدادها.
قيادات الأحزاب عندنا تفرح «بالضعوف» ألم يسأل أحدكم لماذا لم يتقدم أحد من الكتل السياسية طوال الفصول التشريعية بمقترح قانون يعدل بند اشتراطات الترشيح الخاص بالتعليم في الدستور؟ فالدستور اكتفى من المرشح بإجادته القراءة والكتابة فقط وكأنه مرشح في «جنكل»، الإنسان الذي يمكنه «فك الخط» يمكنه أن يمثل «الإنسان الأول» أي نحن، فالذي يعرف القراءة والكتابة «باشا» علينا نحن البلد الذي بدأ التعليم فيه قبل 100 عام!! فالأحزاب تريد أن يبقى هذا البند لأنه هو من أوصل هذه «الأشكال» ولا تريد أن تغيره، نحن من اخترنا قيادات الأحزاب، وقيادات الأحزاب لم تتسلق على ظهورنا، فلا تلوموهم بل لوموا أنفسكم...
هكذا عملت الأحزاب أن يصل إلى المجلس من خدم وتملق قياداتها من كان ولدها المطيع وحصرت قائمتها الانتخابية بين أعضاء مجالس إدارتها وأقربائهم وعوائلهم أو محسوب عليهم أو ولائه وطاعته لولي أمره .. خلاصة القول معايير اختيار القوائم الانتخابية للجمعيات السياسية لا تختلف أبداً عن معايير تشكيل الوزراء.
كنت أتمنى أن تسمعوا ضحكة طائر نقار الخشب (ودي وود بيكر) حين تردد الوفاق «نريد حكومة تشكلها الإرادة الشعبية»، أنت شكل قائمتك وفق إرادة أعضائك ثم تتحدث عن الإرادة الشعبية!