بدعوات أم عابرة لمتطلبات الزعامة والصفات القيادية ومتجاوزة أصوات المجمع الانتخابي وصل «براك» لزعامة قبيلة أمريكية بدعوات أمه فقط، كانت القبيلة تنتقل من مرعى لآخر مهابة تحميها سمعتها كقبيلة قوية العدد والعدة، وحين وجدت بقعة مناسبة استقرت فيها وعاشت ردحاً من الزمن لا يعكر صفو عيشها شيء.
في أحد الأيام وصلت صيحات أحد الرعاة مضارب القبيلة: «قُتل الكلب.. قُتل الكلب.. لقد قُتل الكلب».
وكان كلباً قوياً شجاعاً قرماً، و«قرم» صفة ترافق كلمة الشجاع، وفي ذلك يقول بن لعبون: «طوعوني وأنا ما كنت أطيع وأغلبوني وأنا قرم شجاع»، وعليه دعا شيخ القبيلة «براك» الجميع للتشاور حيال مقتل كلب لا يفرط فيه بسهولة، تم الاجتماع في خيمة شيخ القبيلة السابق الكهل «ريغان»، وكان حكيماً ومن شجعانهم؛ إلا أن المرض جعله طريح الفراش. لم يفقد العجوز هيبته؛ فهو مشهور بأنه لا يضيع له حق. ومازالت القبيلة تتحدث بفخر عن غاراته المدمرة على «معمر» قاطع الطريق الأرعن الذي اختبأ، وبعد الغارة عرض في شكل مخزٍ جثة ابنته بالتبني، كما عرض زوجته مكسورة اليد والقدم، وترك آثار الغارة لعقود عدة مستجدياً تعاطف العالم.
قال براك: «ما رأيك يا شيخ في مقتل الكلب؟»
ريغان: «اذبحوا ذباح الكلب»
امتقع وجه «براك» وزم شفتيه وهمهم: «لقد هدّ الزهايمر اللعين العجوز فأصبح يهذي».
خطب «براك» أحد خطبه البطولية وختمها: «علينا الرد بالفعل لا بالانفعالات، ولن نقتل رجلاً من أجل كلب»، ولم يلتفت لانتقادات فخذ «الجمهوريين» من القبيلة. وحتى يهدئ من غضب المتطرفين أمر الراعيين بالانتشار في كل المراعي حتى تضيق الأرض على المعتدي «فلاديمير» اقتصادياً. وقد دعم «كيري» مفاوض القبيلة وجهة نظر سيده حين قال: «كيف نذبح رجلاً بدل كلب! إن الرؤى الاستراتيجية الحاكمة لسياسة «براك» عقلانية، فهل يعتقد هذا الكهل أن أهل الرجل سيسكتون! إن القاتل «فلاديمير» وأهله منافسون لنا، وربما يكون قتل الكلب استفزازاً لجرنا لحرب لا تناسبنا، وربما كانت محاولة للثأر من «حرب النجوم» ذلك المشروع الذي أعده الكهل «ريغان» نفسه وكان كافياً لتفكك حلفهم القبلي دون قتال».
وبعد أشهر فوجئت القبيلة بصياح الراعي: «نهبت بعض المواشي.. لقد نهب الحلال.. لقد استدار المغيرون علينا من مكان شرقي المكان الذي قتل فيه الكلب القرم». وفور ذلك دعا»براك» لاجتماع في خيمة الشيخ الكهل، وبعد تداول الآراء طلبوا مشورة «ريغان»، فنظر إليهم الكهل بمرارة وقال: «اذبحوا ذباح الكلب».
قال براك: «إن الموضوع لا يتعلق بالكلب الذي قتل من قبل! تباً للزهايمر! لقد سرقت بعض المواشي وتقول اذبحوا ذباح الكلب!».
شارك «براك» في تعجبه الكثير من أفراد القبيلة؛ فالموضوع لا يحتاج لغارة أو حرب، فالماشية يمكن تعويضها، وتقرر ترك الموضوع بدون إجراء. وطلب «براك» التوسع في الرعي وورود مصادر المياه كمنافسة للقبيلة الأخرى، بل وإظهار استيائنا من قرار حليفةً في منطقة الخليج وقعت اتفاقاً للتعاون في مجال الاستثمار مع القبيلة المعادية، في وقت نفرض فيه وقبائل أخرى عقوبات بسبب الأزمة، ويبدو أن هذه كانت هي الحدود القصوى للتحرك.
ومع تباشير صباح ذات يوم شاهد القوم غيمة غبار عظيمة تتجه نحوهم قادمة من الشرق يرافقها هدير مرعب، أفاق الناس حائرين؛ كيف يأتيهم الخطر من الشرق! ألم يقم «براك» بعد مقتل الكلب بأيام بجولة شملت أربع قبائل بهدف تقوية المحور الشرقي الذي يعد عنصراً أساسياً ومهماً في الدفاع الخارجي للقبيلة! ألم يوقع «براك» مع الشيخ «أكينو» في «مانيلا» اتفاق تعاون دفاعي لعشر سنوات! كانوا يتبادلون مع «براك» أسئلة تبحث عن أجوبة ميدانية، وليس نظرية؛ لكنه لم يتحرك، ولم يوقف تبادل الجدل بدل تبادل التدبر في الخطر الداهم إلا اجتياح خيل وفرسان قبيلة «بكين» لهم ممعنين فيهم القتل والنهب وسبي النساء.
وفي غبار المذبحة فر فارس بالشيخ «ريغان»، وحين توقف بعد أن تيقن بالأمان، نظر للكهل فسأله لماذا لايزال يكرر «اذبحوا ذباح الكلب» بشكل شعائري! فأجابه كانت الأمور تتسارع بوتائر درامية دامية، ولو قتلتم ذباح الكلب من البداية لكانت لكم مهابة هي سدكم أمام الأعداء، لكنكم تهاونتم في حقوقكم فأهنتم أنفسكم فتجرأت عليكم القبائل، لقد كان من السذاجة الاعتماد على الحس الاستراتيجي لصانع قرار كان من أخطائه عدم إدراك العلاقة بين المتناهي في الكبر والمتناهي في الصغر.