حول ما ذكر في الصحف المحلية عن تمكين تحت عنوان «إعادة هيكلة برامج «تمكين» وإيقاف «دعم المؤسسات» مؤقتاً، فها هو التقرير الذي تقدمه «تمكين» يتحدث عن مدى ضياع الأموال وإهدارها في غير مكانها، وأن التوقيف المؤقت لن يحل قضية ولن يرقى باقتصاد وأن الأمر لا يتعلق فقط بدعم المؤسسات، بل هو برامج تدريب، مؤتمرات تكلف الملايين ومزودو أعمال قد انتفخت جيوبهم وتفتقت، وغيرها من برامج ليس لها مردود، فالقضية لاتزال تراوح مكانها، فلم يعد العامل البحريني الخيار الأفضل الذي على أساسه أنشئت وهيكلت هيئة سوق العمل و«تمكين»، والاقتصاد مازال في تراجع مستمر، فالقضية هي أكبر من وقف مؤقت طالما هذه الملايين «تخرف» هي من جيوب أصحاب الأعمال، فهذا هو التقرير يقول إن الميزانية المخصصة لدعم المؤسسات تبلغ 80 مليون دينار للعام 2014، كما يقول التقرير، لقد بلغ الإنفاق حوالي 46.3 مليون دينار والذي استفادت منه 7600 مؤسسة، فبالله عليكم كم بلغت حصة كل مؤسسة ومن هي تلك المؤسسات؟ وماذا كان مردودها على سوق العمل وكم نقطة قفز مؤشر الاقتصاد البحريني من هذه الملايين، ثم يقول التقرير إن برنامج دعم تطوير المؤسسات من «ترويج» و«استشارة» و«تقنية» و«جودة» و«تسويق» قد بلغت كلفته 16.9 مليون دينار وقد استفادت منه 1727 مؤسسة في عام 2013، بالله عليكم نسألكم أيضاً ما هي هذه الاستشارة فهل هذه الاستشارة قدمت من ماليزيا أو تركيا أو الهند أو اليابان والصين، وما هي أسرار الجودة التي تكلف هذه الملايين وما هي ماهية التسويق، والتسويق لمن؟ وما هي هذه المؤسسات التي تقدم الاستشارة والجودة والتقنية والتسويق ولماذا لا تستعين بها الدولة إذا كانت لها مقدرة وكفاءة في تحسين اقتصادها وإنقاذ الشركات الوطنية الخاسرة؟!
كما ذكر التقرير أن المؤسسات التي مرت عليها 5 سنوات تلقت دعماً مقداره 10.2 مليون دينار، واستفادت منه 1272 مؤسسة، والسؤال هنا إذا كانت هذه المؤسسات تتلقى دعماً ومنذ 5 سنوات ولاتزال لم تقف -على ما يقولون- على أرجلها وأصابعها فما الفائدة منها، وهل هناك خطة للصرف عليها 5 سنوات قادمة؟ وأما المؤسسات التي مر على تأسيسها أقل من سنة فقد بلغت قيمة الدعم المقدم لها 5.5 مليون دينار وقد استفادت من هذا الدعم 696 مؤسسة، فلديكم الآلة الحاسبة واحسبوا كم بلغت قيمة الدعم لكل «دكان»؟
والأغرب في هذا التقرير أن هذا الإيقاف المؤقت من أجل النظر لوضع إجراءات أكثر صرامة للحد من التلاعب والاحتيال، يعني أن هناك لعباً وتحايلاً منذ 2006 أي 8 سنوات من التحايل ومن هو المسؤول؟ وأين هي المحاسبة؟ كما لن يطال هذا الوقف الطلبات التي بلغ عددها 2500 طلب!!، فبالله عليكم هل سوق البحرين تتحمل هذا الكم من الدكاكين؟ أو لنقول المشاريع؟ التي فتحت شهية أصحابها لملايين «تمكين»، في الوقت الذي يحاسب صاحب العمل إذا لم يجدد إقامة عامله بـ1000 دينار غرامة، وإذا تأخر عن سداد الرسوم يتم إلغاء تصاريح عمله السارية، فأي برنامج هذا الذي تهدر فيه الملايين، وهل يحصل مثل هذا في أي بلد غير البحرين؟ وإلى متى سيستمر هذا، في الوقت الذي تدقق فيه الدولة على علاوة الغلاء وتتحرى كل ورقة وتتابع وتتقصى، وهي علاوة لا تتجاوز الخمسين ديناراً شهرياً، أما الدعم بمئات الآلاف فيقرر بـ«شخطة قلم» من رئيس أو مسؤول في «تمكين»؟ ولايزال الصمت والسكون يخيم على مثل هذا المشروع، وها نحن نرى الجمعيات السياسية والنواب والشوريين جميعهم في صمت، فلا أحد يحاسب ولا أحد يسأل وكأن القلم رفع عن «هيئة العمل» و«تمكين» في الوقت الذي يحاسب فيه وزراء على عملية توظيف مواطنين، أو استجواب مسؤولين، وها نحن نرى التصدي لوزير المالية، وكيف حزم خصره مجلس النواب وأبرز عظام صدره لهذا الاستجواب في الوقت الذي فيه يصمتون عن تقارير ديوان الرقابة المالية عن مثل هذه المؤسسات، كما لا يسألون ولا يبحثون في سبب هروب رؤوس الأموال وعزوف المستثمرين الجادين، ولا يسألون من هي المؤسسات التجارية المستفيدة من برامج «تمكين»، ومن هم مزودو الأعمال؟.
لقد كانت البحرين الأولى في الاقتصاد الخليجي وقد تربعت على عرش الاقتصاد عائلات بحرينية مشهورة لم تمد يدها إلى طلب معونة من الدولة ولم تحتج إلى صندوق عمل ولا ثلاجة تخزين، بل كانت تدار بكد وكدح ليلاً ونهاراً معتمدة على رأس مال وفرته من شقاء السنين، ولذلك استطاعت هذه العائلات الحفاظ على مؤسساتها لأنها صرفت عليها دماء قلبها، وأما مثل المؤسسات والمحلات التي فرخت من ماكينة «تمكين» فستظل عاجزة لأن عجزها مفتعل حين أغرتها الملايين التي تصب عليها بدون حسب ولا استرداد، فلماذا لا تبلغ الطلبات ألفين وسبعة آلاف وعشرة آلاف ما دامت الطلبات ينظر إليها وكل طلب لا يقل دعمه عن 30 ألف دينار في أول دفعة، وهذا غير ما سيحصل عليه في السنوات الخمس والعشر القادمة، وهذا أقل قليل وهناك شركات ومعاهد تدريب واستشارات تستفيد، حيث أصبح الكل مستشاراً، والكل لديه معهد، لأن المعاهد لا تحتاج أكثر من أستوديو تسلم منه الشهادة.
ولا نقول إلا أن البحرين أمانة وأن الواجب الديني قبل الوطني يتطلب الإشارة إلى المشكلة مباشرة وأن الإشارة إلى المشكلة والمعضلة بين السطور لا يشفيها، فلا وقت للمجاملات ولا المداهنات، وليس بيننا وبين هيئة سوق العمل ولا تمكين إلا الغيرة على هذا الوطن الذي أساسه الأمن وسقفه الاقتصاد، وأننا نذكر مجلس النواب والشوريين بمسؤوليتهم والتي سيسألهم الله عنها يوم الدين، عن ملايين تهدر وأموال تبعثر، ونذكرهم في يوم لا ينفعهم كرسي بقول الله تعالى «إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً».