لم يكن الإجراء الأخير الذي اتخذ ضد المدعو علي سلمان محل ارتياح من أهل البحرين بسبب شخص المدعو فقط، ولكن مبعث الارتياح أيضاً أننا كمواطنين شعرنا اليوم أن الدولة هي صاحبة القوة «ودوماً كانت كذلك، لكنها تخلت عن ممارسة قوتها» وهي صاحبة المبادرة، وهي التي إذا أرادت فعلت.
إعلان السيادة كان يجب أن يحدث منذ فترة، حتى مع كل التركيز الدولي على البحرين، إلا أنه حين تتخلى الدولة عن ممارسة صلاحياتها وقوتها، وأن تطبق قوانينها، فإن في هذا رسالة للآخر، إنك تستطيع أن تمضي في مشروعك، وفي استهدافك، فالدولة منكفئة على ذاتها، وعاجزة عن تطبيق قوانينها.
كان ذلك فيما مضى، واليوم جاء إعلان القوة، لدينا يقين أن الدولة تستطيع أن تفعل كل شيء، وتستطيع أن تأتي بأي «راس» إن أرادت، كبر أم صغر، لكن حين تخلت عن مسؤولياتها وسلطتها وهيبتها، كان هنا الخطأ الأكبر، حتى خرجت «الجرذان» من الجحور.
في 2011 سمعت مباشرة من القائد العام لقوة دفاع البحرين الرجل الفاضل المشير خليفة بن أحمد -حفظه الله- في ذروة أحداث البحرين، قوله «الله وكيلك أي راس في بالك نقدر نجيبه ونحضره مسافة الدرب فقط»..!
وسمعت أيضاً ذات العبارة من مسؤول كبير في وزارة الداخلية، وقال ذات الكلام بصيغة مغايرة.
القوة والهيبة والإمكانات والقانون، كل ذلك متوفر لدى الدولة، لكنها تركت مسؤولياتها في ظرف زمني قاس على أهل البحرين، ذلك أن إعلان القوة الذي يحدث اليوم يجب تسليط الضوء عليه بشكل أكبر حتى يفهم من في قلبه مرض، أن اللعبة انتهت، وأن الأيادي التي كانت تدعمهم بالخارج إما قطعت، وإما رفعت.
حدث إعلان قوة للدولة أيضاً قبل الآن، حين تم تفتيش بيت عيسى قاسم على خلفية إخفاء مطلوبين للعدالة، وهذا أيضاً كان إعلان قوة وهيبة للدولة، كما إن هذا الإجراء جعلنا نثق أن الدولة تستطيع أن تفعل إذا أرادت أن تفعل، سواء كان المتجاوز مواطناً أو مقيماً، مهما كانت الألقاب التي يضعها البعض قبل اسمه.
السؤال اليوم الذي يطرحه المواطن، ونطرحه ككتاب رأي هو: ماذا تنتظر الدولة لتجهز بقوة القانون على كل الإرهابيين، وعلى بؤر الإرهاب، ولتخضع كل المناطق تحت سيادتها؟
حين يقبض على «فلان أو علان» يهدد البعض بالإرهاب ويتوعد، ذلك أننا كدولة تركنا سلاح الإرهاب بيد الإرهابي ليهدد الدولة ويخيفها، وهذا خطأ كبير لا يغتفر.
مع إجراءات التحقيق مع المدعو سلمان، كان يتوجب على الدولة أن تقوم بحملة «كبيرة جداً» تشمل كل مناطق الإرهاب، لتصل إلى الذي لم تصل إليه سابقاً، وليس هذا وحسب، بل من أجل أن تنزع السلاح من يد الإرهابي الذي يهدد الدولة وقت ما يشاء.
إعلان هيبة الدولة لم يكتمل ولن يكتمل من دون نزع سلاح الإرهاب من الإرهابي، ومن دون الوصول لكل المخابئ وكل البؤر، وحين لا نفعل ذلك نترك براميل متفجرة في طريق سير الدولة.
قرأت أمس اعترافات من قتل الشرطي عبدالواحد في الدير، وكنت قد قرأتها قبل الآن، لكن لا بأس من التذكير، المتهم الرئيس الثاني في قتل رجل الأمن، كان رجل أمن..!
وهذه من أكبر الفضائح، المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن هذا المتهم يعمل في مطار البحرين أيضاً..!
فهل لكم أن تتخيلوا إرهابياً بلباس رجل أمن ويعمل في المطار، فماذا ممكن أن يفعل؟
السؤال هنا: ماذا فعلنا بأنفسنا؟.. لماذا تركنا كل شيء دون رؤية وطنية، كل الدروس التي مررنا بها، ولم نتعلم نضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لذلك لم تكن كوارثنا تنتهي، ذلك أننا بأيدينا نضرب أنفسنا..!
في ذات الاعترافات في مقتل الشرطي عبدالواحد، وردت نقطة تتكرر مع كل عمل إرهابي، وهو أنهم كانوا يستغلون بيتاً مهجوراً في منطقة الدير للاجتماعات، ولتخزين المتفجرات، وهذه النقطة أيضاً لم تعالج، وهي في صلب موضوع الإرهاب..!
في موضوع يتعلق بتوقيف المدعو سلمان، فإن ردات الفعل الخارجية كانت باهتة جداً، وكانت دون المستوى الذي ينتظره أعضاء الجمعية الانقلابية، فهم الذين أخذوا يستقوون بالخارج وبدعم أمريكي أوروبي وإيراني دون شك، لم تأتهم النجدة من الخارج، وهذا يظهر أن اللعبة انتهت، وأن من يريد أن يلعب خارج العملية السياسية في البحرين، سيكون مصيره مثل مصير الذي تم توقيفه.
من أجل ذلك فإن على الدولة اليوم، أن تحزم أمرها، وتحزم قرارها السياسي المتردد، وتجعله صارماً ونافذاً، في مواجهة الإرهاب.
لا يكتمل إعلان هيبة الدولة، من دون الإعلان عن القضاء على الإرهاب في دولة صغيرة مثل البحرين، هذا ممكن جداً، أو على الأقل أن نجعل الإرهاب ظاهرة صوتية لا تتجاوز ذلك، بدل أن يكون ظاهرة تدمير وقتل.
قبل التفكير في أية مشروعات للتنمية، وللاقتصاد والاستثمار والتجارة، فإن على الدولة أن تنزع كل أسلحة الإرهاب وتقطع أياديه، وإلا فإن كل تلك العناوين وكل التنمية ستصبح هباء منثوراً، أو مثل الذي يحرث في البحر.
أي مواطن يريد أن يعمل وينتج ويعيش حياته مستقراً وآمناً، المجال أمامه مفتوح، ولم يغلق يوماً في البحرين، ومن يريد أن يختار طريق الإرهاب، فيجب أن يعرف أن هذا الطريق فيه هلاكه، وفيه ضرر من هم حوله، هكذا يجب أن تضع الدولة عناوينها للمرحلة القادمة.
في تقديري يجب أن يكتمل إعلان سيادة الدولة، بأن نقضي على كل الإرهاب، وننزع السلاح من يد كل إرهابي من أي جهة كانت، حتى يكون القانون سيداً، وحتى يتساوى الجميع تحته، وحتى لا يبقى أحد يهدد الدولة.