النقلة النوعية المنتظرة في الميزانية القادمة هي في صدورها كميزانية متوازنة، أي بدون عجز وبالتالي بدون أعباء مالية جديدة ترفع من حجم الدين العام وتزيد من فوائده، ولكن بلوغ هذا الهدف له متطلبات، ويحتاج إلى قرارات وربما قوانين.
أولاً تصدر الميزانية كميزانية برامج ومبادرات وأداء وهذا يتطلب أن يضع مجلس الوزراء مجموعة من البرامج والمبادرات التنموية والتي يجب أن تنفذ خلال العامين 2015 - 2016، مع الإشارة إلى تلك المبادرات التي تمتد إلى سنوات أخرى لاحقة مثل ملف الإسكان، ومن ثم يدرج في الميزانية المخصصات المالية اللازمة لتنفيذ هذه المبادرات التنموية والجهة الحكومية المنوط بها تنفيذ ومتابعة كل مبادرة والبرامج الخاصة بها، على أن تعلن جميع المبادرات والمبالغ المخصصة لها، وذلك حتى تتولى السلطة التشريعية والصحافة على مدى العامين مساءلة ومحاسبة الجهات الحكومية عنها.
هذا التحول في إصدار الميزانية سيتطلب جعلها ميزانية مشروعات أكثر منها ميزانية مصروفات متكررة كما هو الحال الآن، فتطوير التعليم مشروع، وتطوير الخدمات الصحية مشروع، وإصلاح سوق العمل مشروع، والقضاء على الفقر والارتقاء بالتنمية الاجتماعية مشروع، وهذه المشروعات وغيرها يحتاج تنفيذها إلى جعل القطاع الخاص المحرك الأساسي للاقتصاد وبالتالي إيكال تنفيذ الكثير من المشروعات والخدمات الحكومية إلى القطاع الخاص إما من باب الخصخصة أو من باب الإدارة والتنفيذ.
التحول من ميزانية مصروفات متكررة «إنفاق» إلى ميزانية مشروعات ومبادرات سيؤدي إلى جعل النفقات أكثر شفافية وأكثر ضبطاً وأن تصبح المخصصات المالية لها ذات عائد وذات قيمة مضافة على عكس المصروفات المتكررة، وهذا بدوره يتطلب تخفيض المصروفات المتكررة والتي ظلت تتزايد سنة بعد أخرى حتى كادت اليوم أن تبتلع كامل الإيرادات النفطية، وبما أن باب الرواتب والأجور هو الذي يستحوذ على نصيب الأسد من المصروفات المتكررة فمن الأولى أن يعاد النظر في مصروفات هذا الباب وبالتحديد تلك المصروفات التي تذهب لكبار الموظفين في الدولة.