المراجعة الجذرية المطلوبة للميزانية العامة الجديدة تبدأ أولاً بانتهاج مبدأ الشفافية والوضوح والإفصاح في الإيرادات والمصروفات، وهو مبدأ غاب عن الميزانية سنوات طويلة وأصبح التكتم والمواربة هما السائدان لدى الجهات الحكومية، وغدت الإجابات على الأسئلة التي توجه إلى تلك الجهات في مجلسي الشورى والنواب ومن خلال الصحافة، إجابات يغلب عليها التهرب من مواجهة الواقع أكثر منها إجابات تريد الوصول إلى الحقيقة ومواجهة الواقع بسلبياته وإيجابياته.
فيما يتعلق بجانب الإيرادات فالغموض مازال يكتنف الإيرادات النفطية والأسئلة التي تطرح هنا بدون جواب تتركز على إنتاج حقل البحرين وبالتالي إيراداته وخاصة بعد سريان اتفاق تطويره منذ عام 2009 وكلفة الإنتاج التي ارتفعت ولا شك بعد هذا الاتفاق، وكذلك الحال مع المصفاة من حيث الإيرادات وكلفة الإنتاج، والذي بينت مناقشات اللجنة المالية بمجلس النواب للحساب الختامي 2013 أن كلفة الإنتاج بالنسبة للمصفاة ولحقلي البحرين وأبو سعفة تصل إلى 93% من إجمالي الإيرادات النفطية، فهل هذا صحيح ولماذا؟
الشفافية مطلوبة أيضاً لجانب الإنفاق في الميزانية العامة الذي هو في زيادات مستمرة العام بعد الآخر وبغض النظر عن تطور حجم الإيرادات ارتفاعاً وانخفاضاً وبالتالي الحرص على خلق التوازن بين الإيرادات والإنفاق وصولاً إلى إنهاء العجز في الميزانية أو خفضه على الأقل.
والجانب الآخر هو ما يتكرر في تقارير ديوان الرقابة المالية كل عام من تجاوز عدد من الوزارات والجهات الحكومية لمخصصاتها من الإنفاق في الميزانية ومن إشارات الديوان إلى عدم إيضاح تلك الجهات أسباب تلك التجاوزات بالإضافة إلى عدم قيامها بإرجاع الأموال التي أخذتها فوق مخصصاتها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن حجمي الإيرادات والإنفاق في الميزانية يفتقدان للدقة وللشفافية، وأن هناك أموالاً عامة تبدد، وتحتاج إلى الضبط، وهذا لا يتحقق إلا بالمزيد من الشفافية والإفصاح في الميزانية القادمة.