لأنني واحد من الباحثين والمهتمين بطبيعة الذات وأهميتها في الكون وقدرتها على أن تكون أكثر أهمية من الكواكب ومن الملائكة والشياطين، لأنها تشكل معنى الإنسان، لهذه الأسباب كنت أواصل البحث والحفر في هذا الموضوع الفلسفي والروحاني الكبير. إن البحث عن الذات الإنسانية هو البحث عن معنى الوجود، والبحث للتعرف على المهمة التي من أجلها خلق الإنسان في زمان محدد وفي مكان محدد ومن والدين محددين، وكيفية إنجاز هذه المهمة وإيصال الرسالة السماوية إلى أهل الأرض، ومن ثم العودة إلى البيت الأول؛ بيت السماء. في الواقع فرحت كثيراً حينما التقيت بكتاب «أنا تتحدث عن نفسها) للدكتور عمرو شريف، وهو من الباحثين الجادين في مثل هذه القضايا الكونية الكبرى، وهناك عنوان فرعي في الكتاب «من عَرِف نفسه عَرِف ربه». في الكتاب مجموعة من الأسئلة التي لا بد أن نسألها للوصول إلى فهم ذواتنا منها؛ ما هي حقيقة الملكات العقلية التي يتميز بها الإنسان فجعلته يسود كوكب الأرض ويتطلع إلى الأجرام البعيدة، بينما كادت أقرب الكائنات إليه جينياً وجسدياً أن تنقرض؟ وهل الإنسان حيوان مجبر مسير بحركة الغرائز واللاوعي والجينات والبيئة أم كائن منحه الله عز وجل إرادة حرة من إرادته؟ وهل كانت العشوائية وراء نشأة الإنسان بالتطور الدارويني أم أنها حكمة الإله وعلمه وقدرته التي تعمل من وراء ستار قوانين الطبيعة؟ وهل نحن جزر معزولة في الوجود أم للإنسان القدرة على التأثير بإرادته ونشاطاته العقلية في العالم غير المادي وفي حلقاته الفيزيائية؟ وما حقيقة طاقات الإنسان الخفية وإلى أي مدى استطاع العقل الإنساني (الفلسفة) فهم حقيقة الذات الإنسانية وعلاقتها بالوجود المحيط؟ وكيف بني الإنسان البدائي الحضارة المعاصرة (الجبارة) وكيف استدارت تلك الحضارة على سيدها لتمسخه كائناً مشوهاً لا هم له إلا المادة والجنس؟ وما هي نظرة القرآن الكريم إلى مكونات الذات الإنسانية الخمسة؛ الجسد، العقل، القلب، النفس، الروح؟ وما علاقة تلك النظرة بنظرة العلم؟ ثم ما هي حقيقة الموت وما الفرق بينه وبين الوفاة؟ وكيف ينظر إليهما كل من العلم والدين؟ كل هذه القضايا والتساؤلات والكثير عن الذات الإنسانية، يطرحها المؤلف من منظور العلم والدين، بعد أن شاعت مفاهيم وفلسفات (عصر ما بعد الحداثة)، والتي تصم الإنسان بالعبثية والعدمية، بل وأدخلتنا في (عصر ما بعد الإنسان). إن الجميل في هذا الكتاب كونه يأخذك في جولة فكرية عميقة، فهو ينقسم كما يقول المؤلف إلى ثلاثة أبواب تضم عشرة فصول، الباب الأول هو (أنا في العلوم الطبيعية). وفي بحثه عن (قِوى الإنسان الخفية) يقول الدكتور شريف: «أتعرض في هذا الفصل لأحد أشد المفاهيم غموضاً وأكثرها تحيراً عن ذاتي الإنسانية، وهو الخاص بقوى الإنسان الخفية، فمما لا شك فيه أن العديد من الظواهر التي لا تخضع لأسس ومفاهيم العلم المعاصر الذي لم يجد بداً من تجاهلها، انتظاراً لتقديم المزيد من الأدلة عليها. وفي نفس الوقت فإن حضارات الشرق الأقصى عبر آلاف السنين تعترف بالكثير من هذه الظواهر، وتقدم على حدوثها الأدلة ولحدوثها التفسيرات، كما تضع لها تطبيقات عملية ناجحة متعددة». إن كتاب «أنا تتحدث عن نفسها» في تصوري من الكتب المهمة التي ينبغي علينا أن نقرأها، لأنني أعتبر هذا الكتاب هو موسوعة مصغرة عن الأنا في تاريخ الديانات والعلوم والفلسفات الإنسانية جميعها.