إذا كنتم كجمعيات (الاتجاه المعاكس) قد أعلنتم مقاطعتكم للانتخابات على حد زعمكم -أو هكذا تصرحون- فإن السؤال هنا؛ لماذا كل هذه الجلجلة وهذه التصريحات والتخوفات، وهذه الاستنتاجات حول توزيع الدوائر الانتخابية؟
ألم تعلنوا أنكم مقاطعون؟
الأمر إذاً (كانتخابات) لا يعنيكم، ولا يشكل أهمية بالنسبة إليكم وأنتم المقاطعون، وإن كنتم تنظرون إلى مرحلة ما بعد الأربعة أعوام القادمة، فكيف ستشاركون وذات الأسباب التي دعتكم للمقاطعة ما زالت قائمة ولن تتغير، وهذا يعني أنكم ستقاطعون أيضاً بعد أربعة أعوام؟
أليس هذا التساؤل في محله، وإذا كنتم من (أصحاب المبادئ.. شنسوي قاعدين نشلخ على بعض) فهذا يعني أن بعد أربعة أعوام لن تشاركوا أيضاً، وإذا كان ذلك، فلماذا تصيحون وتحللون، وترسمون السيناريوهات التي ستخرج بها الانتخابات عطفاً على تقسيم الدوائر الجديد؟
وإذا كنتم ستشاركون بعد أربعة أعوام، فأخرجوا ما بجعبتكم حول الدوائر بعد أربعة أعوام وليس الآن، وأنتم مقاطعون.
أما إذا كنتم ستشاركون بعد أربعة أعوام، فإنكم تضحكون على أنفسكم، وتضحكون على شارعكم، لماذا المقاطعة إذاً؟
شغلتني هذه الأسئلة وأنا أرى حالة الردح التي أنتم عليها من بعد تغيير الدوائر، فحتى الذين أسقطت جنسياتهم من قبل القضاء أخذوا يصرحون (يا أخي أنت مو بحريني، وش دخلك) ويفتون حول عدد دوائر السنة، وعدد دوائر الشيعة وكأنهم يعلمون الغيب، ومن الذي سيصل ومن الذي سيخسر..!!
أعود إلى السؤال مرة أخرى؛ إذا كنتم ستقاطعون كيف سلمتم أن عدد المرشحين الشيعة الذين سيصلون سيكون عددهم كذا مثلاً؟
إذاً أنتم تسلمون أنه لن تحدث مقاطعة بغيابكم عن الانتخابات، وأن عدد الشيعة سيكون كذا، وأنتم مقاطعون..!
أو أنكم ستدخلون بالفريق الأولمبي، وبالتالي قامت قيامتكم مع تعديلات الدوائر عطفاً على دخولكم بالفريق الأولمبي، بمعنى أنكم ستشاركون إن دخلتم بالفريق الأولمبي، وهذا يعني أنكم لم تقاطعوا الانتخابات..!
(ارسوا لكم على بر.. خل الناس تحترمكم) بصراحة حتى أشد المناوئين لكم أصبح يعطف على حالكم، وحالة الضياع، أو حالة فقدان التوازن، من بعد وعودكم الخيالية للجماهير: (إما حكومة منتخبة، أو أنه لا حل في البحرين).. هذه عباراتكم قيلت على الفضائيات وفوق المنصات، أين أنتم اليوم من أحلام اليقظة، صارحوا الناس، قولوا لهم إنكم فشلتم، وجعلتم الناس تفقد أعمالها، وجعلتم بعض المغرر بهم يدخل إلى السجن من بعد ما قبض عليه وهو يقوم بعمليات إرهابية، إلى هذا أوصلتم الناس، من ثم تراجعتم وأصبح سقفكم بالحضيض..!
أمس الأول وخلال استقبال الرجل الفاضل خليفة الظهراني للسفير البريطاني «إيان لينزي» قال السفير البريطاني في تصريح له: «إن المملكة المتحدة ترحب بالمشروع الكبير الوطني الرائد لعاهل البلاد المفدى، مؤكداً على الدعم والتأييد الذي حظيت به البحرين من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي على صعيد الاستعدادات الجارية للانتخابات المقبلة، وما حققته من أصداء طيبة وغير مسبوقة بفضل جهود مميزة ورعاية مستمرة تلقاها العملية الديمقراطية من لدن القيادة الحكيمة في البحرين».
هذا التصريح من السفير البريطاني ايان لينزي (وأحسبه أفضل سفير بريطاني أتى إلى البحرين) إنما هو يشكل صفعة قوية على وجه الوفاق وبقية الأقزام من (جمعيات التبع التي تسير خلف عمامة علي سلمان) وقد أعلن موقف بريطانيا والاتحاد الأوروبي من الانتخابات المقبلة، مما يجعلنا نقول في تحليلنا للتصريح إن تلك الجهات لا تعبأ بمقاطعة المقاطعين.
وهنا أعيد وأوجه رسالة للدولة والحكومة، يجب علينا أن نتواصل بشكل جيد مع جميع السفراء وأن نضع المجريات الحقيقية أمامهم بالإثباتات والدلائل، كما يجب أن نشكر مواقف السفراء الذين يقفون موقفاً واقعياً حقيقياً وثابتاً من الإرهاب والعنف والأحداث التي تقوم بها جماعات من يطلقون على أنفسهم بالمعارضة.
قبل أيام كانت هناك تصريحات طيبة من السفير الروسي، واليوم أيضاً من السفير البريطاني، وقبل فترة رصدت مواقف طيبة من سفيرة ألمانيا لدى المملكة، فكل سفير يقف موقفاً واقعياً وحقيقياً ولا يصطف مع المكذبين الذين يفبركون الأحداث، فيجب أن نتواصل معهم بشكل لائق، وأن نشكرهم على مواقفهم سواء كمجتمع مدني أو كحكومة.
في ذات سياق مجريات الأحداث، فقد اطلعت بالأمس على ما جاء في ندوة أقامها مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والتي جاءت تحت عنوان «الدول الصغيرة.. ديناميكية الأمن في الشرق الأوسط»، وأحسب أن هذه الندوة كانت ندوة قيمة لما حوته من موضوعات، ومن شخصيات متحدثة على مستوى عالٍ من التفكير الاستراتيجي.
توقفت عند كلمة الدكتور ميشيل بيلفر الذي قال: «إن البحرين تمكنت من قراءة الوقائع والمتغيرات والتعامل معها بسرعة وحكمة فائقتين وهو الذي نتج عنه استمرار البحرين وبقاؤها ونموها في منطقة تشهد اضطرابات عالية، وقال إن خيار الحياد بالنسبة للدول الصغيرة ليس خياراً متاحاً، بل خيار التحالف هو المنطقي».
انتهى كلام الدكتور بيلفر، وأضيف أننا خرجنا من الأزمة أولاً وأخيراً بفضل من الله سبحانه، هو الذي وفق قيادتنا لأخذ الخيارات والقرارات الصائبة، والحمد لله أن قيادة البلد تعاملت بحكمة وذكاء مع الأحداث الكبيرة، أتضح ذلك جلياً اليوم من بعد أن سكن الماء قليلاً.
في ذات الندوة تحدث دكتور آخر، وأحسب أن حديثه أكثر أهمية بالنسبة لي، ذلك أنه ينطبق على البحرين، فقد قال الدكتور جين مارك ريكلي: «إن القوة الناعمة لدى الدول الصغيرة ليست كافية دون القوة الخشنة، ويتطلب أن يصاحب ذلك القوة الذكية».
انتهى النقل، وأقول هنا إن كلمة الدكتور جين ريكلي خطيرة للغاية، ويجب أن تدرس في علم السياسة الدولية والمحلية، فهذا التحليل لواقع الدول الصغيرة وكيف يمكن لها أن تبقى وتسود وسط موجات التغيرات الدولية والإقليمية.
عبارة أن الدول الصغيرة بحاجة إلى «قوة ذكية وخشنة» أحسب أنها أكثر عبارة تعني البحرين، فقد مارسنا القوة الناعمة لأربعة أعوام، وأعتقد أنه حان الوقت لممارسة القوة الخشنة والذكية، كان ذلك على المستوى المحلي، أو على مستوى التعامل مع السياسة الخارجية.
قد تستخدم القوة الناعمة كجزء من الخطة أو كمرحلة انتقالية، لكن لا يجب أن تبقى الخطة على القوة الناعمة أبداً ودهراً، ذلك أن أي طرف داخلي أو خارجي سيفسر ذلك على أنه (حالة من الضعف والهزال السياسي) وبالتالي حين يشاهدك خصمك على هذا الوضع فإن القوة تأتيه من ضعفك أنت..!
من بعد مرحلة القوة الناعمة، أعتقد أننا اليوم أكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى القوة الذكية والخشنة، فقد فوتنا فرصة ضرب الحديد وهو ساخن، ولا بأس اليوم من أن نسخن الحديد، ونضربه مجدداً عطفاً على أهمية عامل التوقيت قبل الضرب..!