مررنا بمرحلة في الشهرين الماضيين تشبه مراحل كثيرة أتت بعد محاولة الانقلاب، هذه المرحلة هي مرحلة السكوت عن الإرهاب، أو اعتباره أمراً عادياً، أو أنه شيء غير مهم، فالحياة مستمرة -وهي كذلك فعلاً- لكن باية حالة مستمرة هذا هو السؤال!
البعض كان يظن أن الشهرين الأخيرين كانا هادئين، لكن الأمر ليس كذلك، وشخصياً توقعت أن تزداد وتيرة الإرهاب كما هي العادة في رمضان، والأمر حدث، فحملت الاكتاف شهيداً آخر من شهداء الواجب، بينما ردة الفعل هذه المرة أيضاً باهتة، ولم تساوِ فعل قتل رجل أمن، ولا أدري هل أصبح حمل شهداء الواجب للمقبرة أمراً عادياً؟
انفجرت سيارة بمنطقة السلمانية، وتم إطلاق رصاص حي في منطقة سترة على نقاط رجال الأمن وتبنى الحادث حزب الشيطان البحريني، المصادر قالت إن عدد الطلقات كان 30 طلقة، بمعنى مخزن كامل لسلاح الكلاشنكوف، والحادثان مرا أيضاً بشكل عادي جداً، ولم تكن هناك ردة فعل تساوي الجريمة. الحديث عن حادث إرهابي هنا أو حادث هناك هو حديث مجتزأ أو ناقص، أو حديث يشبه الحادث ذاته، انفجار ومن بعده هدوء، الأمر لا ينبغي أن يكون كذلك.
من الواضح تماماً أن هناك من يعد خططاً ويعد العدة من توجيه الإرهاب للمجتمع والدولة، يصعد ويخفض، وهذا يظهر أن هناك استراتيجية لاستهداف الدولة من خلال الإرهاب، ويأتي توظيف ذلك من أجل الحصول على مطالب معينة قبل الاستحقاقات الوطنية.
لكن من الواضح أيضاً أن استراتيجية الدولة لمواجهة الإرهاب إما أنها ضعيفة أو أنه لا استراتيجية واضحة لمواجهة الإرهاب، وهذا يجعل أداة التحكم في رتم الإرهاب في يد الإرهابيين، يصعدون ويخفضون، ونحن كمجتمع نتفرج على الإرهاب وهو يضرب، ونتفرج على ردة الفعل التي أحياناً تكون جيدة وأحياناً تكون دون المستوى، كما حدث مع الحوادث الأخيرة التي ذكرتها آنفاً. فإذا كنا كدولة نعمل على ردات الفعل، دون أن تكون هناك استراتيجية لاستئصال الإرهاب فإن حوادث قتل رجال الأمن لن تتوقف أبداً، من هنا فإننا نتمنى كمجتمع بحريني أن نعرف ما هي استراتيجية الدولة لمحاربة الإرهاب وتقديم رموزه إلى العدالة؟
كنت أسأل نفسي هل الاستراتيجية الحالية تقوم على أنه إذا حدث حادث قوي نتحرك ونقوم ببعض الإجراءات ونقبض على بعض المتهمين، وإذا لم يحدث حادث نتبع سياسة (اسكت عني أسكت عنك)، بمعنى أن الدولة تعلم أن هناك خلايا إرهابية لكنها لا تتحرك تجاهها إذا كانت هذه الخلايا نائمة أو لم تضرب بعد.
إذا كانت هذه هي الاستراتيجية فإنها مع عميق احترامي وتقديري للقائمين عليها استراتيجية فاشلة ولا تقضي على الإرهاب، ولا حتى تحد منه.
من خلال خطب المحرض من فوق المنبر والذي هو رأس الشر، فإن من الواضح أن هناك تناغماً بين الإرهاب وخطبه دائماً، بينما تتحدث الدولة عن منع رجال الدين من الخوض في السياسة من فوق المنبر، والأمر ليس هنا، هناك تحريض على الإرهاب وأنتم لم تتحركوا، فإذا لم تتحركوا في التحريض على الإرهاب، ماذا يعني التدخل في السياسة من خطيب ما؟
مصيبة الإرهاب أكبر، بينما نحن من نعطل القوانين ونعطل الإجراءات ونعطل كل شيء من أجل حصانة زائفة وغير موجودة لرجال دين مأزومين موتورين يشعلون فتيل الإرهاب تصريحاً أو تلميحاً.
الأمر الواضح من خطب المحرضين أن الهدف هو إخضاع الدولة بالإرهاب لمطالبهم الطائفية الفئوية قبل الاستحقاق الانتخابي، هذا ما يحدث اليوم، زيادة في وتيرة الإرهاب والمطالبة بخروج المسيرات، حتى يحدث ضغط على الدولة لإملاء ما يريده الانقلابيون.
هذا الأمر يفهمه رجل الشارع البسيط، فنتمنى أن يفهمه من هم أكبر من رجل الشارع البسيط، فلا ينبغي أن تعدل الدوائر إلا بالمقاس الوطني الجامع، وإلا فإن الدوائر لا يجب أن تغير بحسب ما تريد الوفاق أو الولي الفقيه وصولاً لتعطيل الدولة من الداخل (استنساخ حالة لبنان)، فهذه مطالب طائفية لا ينبغي الاستجابة إليها.
أيضاً خرجت تلميحات أو تسريبات تقول إن هناك وعوداً من أجل تغيير الدوائر حتى يدخل الانقلابيون في الانتخابات، وأن هناك أخرى ستفعل من أجل ذلك، أو أن الانقلابيين حصلوا على وعود بذلك، فإن كان هذا صحيحاً فهذه مصيبة، لا ينبغي تقديم أي شيء لمن هم في أسوأ حالاتهم من بعد محاولة الانقلاب، من يريد المشاركة في الانتخابات فإن الأبواب مفتوحة، ومن أراد أن يحصل على مكاسب حتى يدخل الانتخابات فإن عليهم الانتظار أربع سنوات أخرى قادمة انتظاراً للتحولات الإقليمية.
عدم وجود استراتيجية لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه جعل العصا التي تحملها الجمعيات الانقلابية لإخضاع الدولة تكبر وتزداد مع كل استحقاق وطني، وهذه هي أكبر أزماتنا التي نراها أمامنا ولا نعالجها.