يخطأ كثيراً من يظن أن بصوته الذي سيمتنع فيه عن التصويت ويقاطع سيقدر على عدم إيصال مرشحين «العازة»، والذين كلامهم مجرد وعود فارغة سرعان ما ستتلاشى بعد وصولهم لمجلس النواب.
مخطئ جداً من يعتقد أنه يستطيع التأثير في المعادلة الانتخابية القادمة بالامتناع عن التصويت ويتعذر بعدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع من مبدأ أن المجالس السابقة لم تقدم شيئاً أو تأتي بجديد يصب في مصلحة المواطن ويلامسه بشكل مباشر، ناسياً أنه بصوته يمكن أن يعمل فارقاً أو تغييراً في ملامح التجربة الانتخابية القادمة، ومنع المرشح الأسوأ على الأقل من الوصول، وفي أسوأ الأحوال له أجر السعي والمحاولة والنية من منطلق السعي في الخير والحق.
فيكفي من سيتجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت أو حتى رمي الورقة فاضية شرف المحاولة في رفع نسبة التصويت في العملية الانتخابية أمام المحافل الدولية، ومواجهة الباطل بالحق من خلال إدلاء الشهادة التي يطلبها الوطن منه اليوم في إبداء الرأي تجاه المرشحين من جهة، وعدم ترك الحبل على الغارب في وصول من لا يستحق الوصول لتمثيل أهالي الدائرة، أليس معيباً أن يصل حملة الشهادات الابتدائية وأصحاب الوظائف المتواضعة الإمكانات، كما حدث سابقاً، لتمثيل شعب مثقف ومنفتح وواعٍ كالشعب البحريني أمام العالم؟ ومن جهة أخرى هناك واجب مجابهة أعداء الوطن الراغبين في إفشال التجربة الديمقراطية كما يطلبها الله دائماً في شرعه، عندما أكد أهمية ومرتبة الشهادة في الإسلام والدفاع عن الوطن، والبحرين اليوم بحاجة إلى من يدافع عن حقيقة شعبها الذي لا تقوده حملات المقاطعة التي جاءت نتيجة الفشل في الحصول على مغانم سياسية ذات أجندة انقلابية.
المواطن البحريني اليوم أمام تحديات كبيرة قد لا يفقه أبعادها أو لا يركز على كل إشاراتها ومدى أهمية الحقوق التي بيده في رسم ملامح مستقبل البحرين القادم، وإكمال المسيرة الديمقراطية والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كما إن معظم المواطنين البحرينيين أصبحوا في مواجهة مع واقع أن هناك ضرورة للاتجاه إلى صناديق الاقتراع، حتى وإن لم يصوتوا لأحد واضطروا لرمي الورقة بيضاء أو خالية للفوز في تحدي تصفير الصناديق، وإيصال رسالة تحمل حقيقة أن هناك جموعاً كبيرة منهم ترفض أن يتكلم من لا يحق له التحدث باسم الشعب البحريني، ويفرض إرادة المقاطعة التي اتخذها عليهم، ولدحض ادعاءات أن الغالبية العظمى من الشعب هو من يمتلك إشارة قيادتها أو مقاطعتها.
فهناك من وضع نفسه كسلطة عليا في البحرين على الانتخابات وأخذ «يخيط ويبيط» في مسألة الحراك الانتخابي وقدرته الفائقة على التحكم في عملية التصويت، ومن خلف الكواليس قام بدس بعض الصفوف الخفية في الانتخابات التي تدعي أنها مستقلة، فيما هي تعتبر خلايا وفاقية بالباطن، فبات من الواجب الوطني والمسؤولية التي تفرض نفسها على المواطنين اليوم الاتجاه إلى صناديق الاقتراع لتصفير ادعاءاتهم وضمان عدم وصول مرشحيهم، بل إيصال المرشحين الأكفاء الذين يحسنون تمثيل المواطن البحريني المخلص.
إن الشريحة العريضة من المواطنين مطالبها بسيطة جداً -زيادة الرواتب، السكن اللائق، تحسين جودة الخدمات وأهمها التعليم والطب- لكن شق الطريق من قبل النواب لأجل الوصول إليها كان يحتاج إلى عمل دؤوب وكثير، وهو ما تخلف عنه بعض نوابنا الكرام للأسف، لذا وجد كل هذا الإحباط الشعبي المتراكم الذي جاء من تكرار العملية الانتخابية كل أربع سنوات دون تغيير نوعي، كما إن نواب الوفاق بالباطن عندما يفوزون فإنهم سيقتطعون مساحة من العمل النيابي القادم في إشغاله بالملفات السياسية على حساب المعيشية والخدماتية، ولذا فهناك فرصة سانحة لدى المواطنين اليوم في تغيير كفة هذا السيناريو وإيجاد تغيير في التركيبة البرلمانية القادمة ومن ثم المخرجات النيابية.
ففكرة «صوت واحد ما بيفرق»؛ بمعنى أن تخلف أحدهم عن التصويت لن يشكل فارقاً كبيراً في وصول المرشح أو سقوط خصمه، مبدأ يسير عليه بعض المواطنين، غافلاً أن صوتاً واحداً بالفعل يشكل فارقاً كبيراً، وهو ما تبين من التجارب الانتخابية السابقة، حينما أطاحت الأصوات الباطلة ببعض المرشحين الأكفاء وحالت دون وصولهم ليفوز بدلاً عنهم مرشحون متواضعون جداً في الإمكانات.
دائماً في جدالنا مع الممتنعين عن التصويت أو غير المتفاعلين مع الأجواء الانتخابية نستعرض لهم الجانب الديني أولاً؛ وأن هناك مسؤولية دينية قبل أن تكون وطنية في مسألة الانتخابات، فالشعب البحريني اليوم يحمل مسؤولية «إبداء الحق»، من مبدأ «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، فمن يمتنع عن التصويت يغفل بالتأكيد مرتبة الشهادة في الإسلام والدفاع عن الوطن، والتي تدعو دائماً في المواقف التي تحتاج إلى نصرة الحق من المسلم العاقل أن يدلي بالشهادة حتى وإن اتجه لإبداء حق «أن جميعهم ليسوا على مستوى الطموح»، فالمهم أن يتجه لإبداء الرأي لا أن يتكاسل عنه، وتأكيد حقيقة أن الشعب البحريني إرادته بيده لا بيد أعدائه.
قد تكون هناك وجهة نظر بأن جميع المرشحين دون مستوى الطموح مثلاً في أحد الدوائر، لذا فالتصويت سيكون بلا جدوى، وقد يبدو بعض الناخبين محقين في هذه النظرة، لكن عليهم ألا يغفلوا عن خطورة السكوت عن الحق، لأن الامتناع التام عن التصويت يعني منح فرصة لأسوأ المرشحين الذين قد لا يكونون على خلق وعلم ودين من الوصول، مقابل التسبب بخسارة مرشح قد يكون أفضل منهم ويمتلك بعض الإمكانات المميزة عن غيره القادرة على العطاء والإنجاز.
خلاصة القول إن صوت الناخب الواحد لن يقدر في حال المقاطعة على عدم وصول الأسوأ للعمل البرلماني القادم؛ بل إنه سيمنحه بهذا الموقف الفرصة للوصول أصلاً، ومن الناحية الدينية هذا الموقف لن يبرئ ساحته من إخفاء الحق وكتمه.