سيطرة الحوثيين على صنعاء درس يجب أن نقرأه جيداً في البحرين وكل دول الخليج العربي، فسقوط صنعاء ليست تسونامي ولا زلزال ولا انفجار بركاني حدث فجأة؛ بل كان عقرباً ولد بين الرمال حتى كبر، إنه العقرب الحوثي الذي ذكرت التقارير أسباب نبتته ووجوده، فهي حركة لم يتعد وجودها أكثر من 3% من مساحة اليمن وتعداد أفرادها لا يزيد على 270 ألف نسمة مقابل 22 مليون نسمة من أهل اليمن، لكن أخطاء النظام الحاكم السابق هي سبب تمدد الحوثيين، وذلك حين قدم التنازلات وتساهل في التعامل معهم طوال السنوات الماضية، وبعد أن تم القضاء عليهم عام 2004 وأسر قياداتهم وسجنهم.
لكن، وبجرة قلم، أمر الرئيس السابق علي عبدالله صالح بإطلاق المئات منهم، وقام بتعويضهم مادياً عن كل الخسائر التي لحقت بهم، وهكذا تواصلت الأوامر بالإطلاق والتعويض في كل حرب كانت تخوضها الدولة مع الحوثيين، إلى درجة أن وصل الأمر بأحدهم أن نشر مقالاً تهكمياً تحت عنوان «الحوثيون: كثرة الإعفاءات تثير الكرم الزائد عن الرئيس»، ومقال آخر تحت عنوان «الحوثيون تمرد 5 نجوم»، الذي يقول إنه تم التعامل مع قضية الحوثيين بكل قوة «ناعمة» وسياسة رخوة حتى وصل الأمر إلى الاعتراف الرسمي بالوجود الحوثي والجلوس على طاولة واحدة، تماماً كما طلب يحيى الحوثي في يوم من الأيام، وجاء توقيع الاتفاق، وهو الأمر الذي دبر بليل وأعطت السلطة ما تملك وما لا تملك من تنازلات، وأصدرت قرارات العفو العام على مئات المتمردين الحوثيين وقيادتهم وتعويضهم تعويضاً كبيراً وضخ الأموال عليهم ومنحهم السيارات والهبات أكثر من مرة.
إذاً الظاهرة قد يوجد مثلها في دول الخليج، وذلك عندما تبدي الدول التساهل في التعاطي مع هؤلاء كقوى سياسية، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا قوى تآمرية موالية لإيران، وهي حقيقة كان يعرفها علي عبدالله صالح كما تعرفها دول الخليج، ولكن مع الأسف الشديد أن هذه الدول لم تضع في حسابها أن هؤلاء قد يحتلون عواصمهم يوماً ما، بغض النظر عن أعدادهم، فها هي نسبتهم لا تذكر في اليمن، إلا أنهم استطاعوا أن يحتلوا صنعاء، وذلك بعدما استطاعوا التغلغل في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وهم كذلك في بعض دول الخليج؛ فهم متمكنون، وعلاوة على التمكين الاقتصادي فهم موجودون في المؤسسات العسكرية والأمنية، كما إنه قد تم تمكينهم من المؤسسات الحيوية النفطية والاتصالات والمواصلات، وهي أهم الركائز التي يعتمدون عليها في إنجاح مؤامراتهم.
إن القضية الوفاقية في البحرين هي ذاتها القضية الحوثية في اليمن والنتيجة واحدة، فهناك احتلال وهنا مواصلة المسيرة لاحتلال المنامة، المنامة التي أصبحت عناوين تقاريرهم «وثيقة المنامة» وعناوين مواقعهم وعناوين برامجهم، وهكذا يختطف اسم العاصمة كما خطفت مساجدها وأحياؤها وتاريخها ومؤسساتها، حتى تتم عملية الاختطاف الكامل بالتمترس فيها كما فعل الحوثيون في صنعاء.
وها هو مقدم برنامج ما يسمى «حوار المنامة» في 27 نوفمبر 2013 في لقائه مع علي سلمان، حيث بدأ بالقول «السيدات والسادة.. هل يتذكر أحد مقولة الرئيس اليمني السابق حين جاءه بوش الابن لدمقرطة بعض دول المنطقة بالحديد والنار، حيث قال صالح: فلنحلق رؤوسنا قبل أن يحلقوا لنا، لكن من الذي حلق رأسه؟ لا أحد، ويا للسخرية.. فإن علي عبدالله صالح لم يحلق رأسه، ولم يضع برنامجاً للتحول الديمقراطي في بلاده، فحلق شعبه رأسه بالاتفاق مع دول كانت تدعم الرئيس وخرج صالح من السلطة محروق الوجه محلوق الرأس». إنها النقطة التي يلتقي فيها الحوثيون والوفاقيون وهو حكم البلاد.
وهنا يأتي قول الله سبحانه وتعالى في سورة محمد (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)، وهي الحكمة الإلهية التي لما ترك العمل بها، إنها «شد الوثاق» والتي استبدلت بالتعاطي بكل قوة «ناعمة» وسياسة رخوة حتى وصل الأمر إلى الاعتراف الرسمي بالوجود الحوثي في اليمن.