تفشى بين الناس النزوع إلى الاختلاف في جوانب الحياة المختلفة، لاسيما في مجالي الدين والسياسة، وتفاقمت الأمور لمزيد من التخندق والتحزب والتناحر. والبحرين قد ذاقت من الويلات الكثير.. وهي مقبلة على معترك انتخابي ساخن، أعدت له الأحزاب عدتها، وأصبح الصراع سمة العصر في استغلال كاشف للشعارات الوطنية والتواري بغطاء الدين. ولنجنب المملكة مزيداً من المشكلات المتصاعدة وللحفاظ على سلامة النسيج الوطني، وليكون الهدف الأسمى الخالص هو البحرين، كان على الجميع لزاماً الخروج من الخنادق.
اخرجوا من خنادقكم.. فزمن السيف قد ولى -ولم يبد في الأفق بعد أن حان وقت عودته- ولو أريدت بكم الحرب والاضطهاد والحصر في الزوايا لدمرتم شر تدمير، ولما تبجح ولا تنمرد منكم أحد؛ ولكنها ضريبة الديمقراطية التي جعلت الجميع يجأر ويزأر على غير هدى.
اخرجوا من خنادقكم.. انفضوا أسمال إرهابكم الفكري والتحريضي والميداني، تطهروا من رجس أوثانكم المقدسة ومرشديكم وأأمة الفتن.
اخرجوا من خنادقكم.. تنفسوا عبيق الحرية، تذوقوا طعم الكرامة، انزعوا جلابيب التبعية وقبعات الانغلاق العقلي. أفردوا جناحيكم في فضاء رحب لغته العقل والرأي المستقل. صحيح أن يد الله مع الجماعة، ولكن يد الله لا تمتد للهدم والتدمير، ولا تقف إلى جنب ثقافة القطيع. كونوا جماعة إنسانية متفردة بتنوع أفكارها وتميز عقولها.
اخرجوا من خنادقكم.. فإن الله لم يأمرنا بالانغلاق على الجماعة، ولم يهدنا لأديانه السماوية وختمها بالإسلام منهجاً متكاملاً لنقبع في جاهلية حزبية مقيتة. إن الدين الدعوة.. الدين السلام.. الدين الأخلاق.. الدين الانفتاح على الآخر.. الدين النصيحة، لا تقييم وتحجيم وتكفير وتصنيف البشر وفق الأهواء والأمزجة؛ فإنما سجلات الأعمال معروضة على الله وحده، والنوايا لا يعلمها إلا الله.
اخرجوا من خنادقكم.. لم يحمل أحدكم نفسه مسؤولية فكر جماعة أرادت أن تضيق على فكرها، وتعزل نفسها وأتباعها عن العالم الخارجي. لم يحمل أحدكم وزر صنيع كل فرد ينتمي لتلك الجماعات لمجرد مشاركته هوية «مشبوهة، أو قد تكون؟!».
من العبارات التي راقت لي، تقول إن الناس عند الخلاف ثلاثة أصناف؛ الأول، يعمل بمبدأ «إن لم تكن معي فلا يعني أنك ضدي»، وهذا منطق العقلاء. ومبدأ الثاني «إن لم تكن معي فأنت ضدي» وهو نهج الحمقى. أما الثالث فهو «إن لم تكن معي فأنت ضد الله!!!» وهذا سبيل المتطرفين. متغافلين.. ومتناسين أن «الأفكار للعرض وليست للفرض»، وأنها «للإعلام لا للإلزام»، و«للتكامل والتراكم.. بعيداً عن التراكل والتراكم».