حين تأتي الأزمات وتحل على أي بلد، فإن الأزمات تشابه الكوارث الطبيعية، ويجمعها مع الكوارث الطبيعة ألا استئذان فيها، ويوجد طرق للباب قبل حدوثها، الأزمات في الغالب تتدحرج فجأة وبشكل متسارع، ولا يمكن في ساعتها أن نتداركها، أو نتدارك تداعياتها.
غير أن في بعض الأحيان وفي ملفات بعينها تكون هناك مؤشرات للأزمات أو بوادر، أو كما يقال يكون للأزمة إرث تاريخي متواصل، بالتالي فإن هذا المؤشر يعطي القارئ للأحداث علامات على أن هناك شيئاً ما قادماً، وهناك مؤشرات له، متى يحدث لا نعلم، ومتى يأتي لا ندري، إلا أنه سيأتي وقد يكون بشكل مفاجئ ومتسارع.
حين نتحدث عن الوضع المحلي في البحرين، نقول اليوم من بعد مرور أربعة أعوام على أكبر محاولة انقلاب؛ هل تركنا كدولة وشعب الأمر يسير كما تشتهي الرياح من بعد فشل الانقلاب، ومن بعد أن تأكدنا أنه لن ينجح في ساعتها تلك؟
من بعد تلك المحاولة؛ هل تركنا ملفات كثيرة عالقة دون حل جذري لها من بعد الاطمئنان إلى أن الأمور عادت كما كانت قبل أحداث 2014؟
هناك فرضية تطرح تقول «إن ترك هذه الملفات إنما كان لظرف زمني ومكاني، ذلك أن البحرين كانت تحت المجهر».
وإن كان لهذه الفرضية شيء من الصحة، فإن هناك أيضاً فرضيات أخرى تقول «إن ترك ملفات كثيرة دون علاج وأولها ملف الأمن والإرهاب إنما هو يشبه رجلاً يجلس في خيمة في البادية، وهو يعلم أن الرياح القوية آتية، إلا أنه يقول في نفسه، إذا ضربت الريح واشتدت سأغلق أبواب الخيمة..!».
بينما حين تأتي الريح فجأة فإنها قد لا تترك وقتاً لإغلاق أبواب الخيمة، وإن كانت الرياح قوية جداً فقد تقتلع الخيمة حين تكون الأبواب مفتوحة وتجد الريح مداخل كثيرة لها إلى داخل الخيمة.
أخشى أننا نفعل ذلك اليوم بوطننا، نحن نعلم علم اليقين ما يحاك ضدنا من مؤامرات داخلية وخارجية، ونعلم ونشاهد حجم الإرهاب، وكيفية تطوره وتطور أساليبه وعملياته، إلا أننا نسكت عنه ونداريه وننتظره يضرب ويفجر ويقتل، ومن بعد ذلك نتحرك.
لا يوجد ملف مقلق لأهل البحرين أكثر من الأمن والإرهاب، فالحياة جميعها وكلها مرتبطة بالأمن، وإن اختل الأمن اختلت أوجه الحياة جميعها بما فيها الاقتصاد والتجارة، بل هي أولها.
من هنا نقول؛ هل تركنا أبواب الخيمة مفتوحة من بعد أن اطمأننا أن الانقلاب فشل؟
هناك مشروع قائم ومستمر ومعلن يستهدف الدولة برمتها، حتى خرج ما في النفوس من بعد ما أخذتهم العزة بالمتجمهرين في الدوار، وأعلن عن قيام الجمهورية الإسلامية والمعني بها البحرين.
لست هنا لأستعرض ما جرى، الجميع كان شاهداً، إلا أني أذهب إلى موضوع ما تركناه من ملفات عالقة وأولها محاربة الإرهاب، وخلايا الإرهاب النائمة اليوم والنشطة غداً، واجتثاث الإرهاب برمته، كان من المنفذين أو من المحرضين، والمشرعنين له، وأولهم المهستر من فوق المنبر الذي يطلق تهديداته وأوامره ربما كل جمعة.
لا بأس في تطبيق القانون، خاصة على المنابر، إلا أن ما نشاهده هو أن الدولة تذهب لمنابر وتترك أخرى، بل وتترك المنبر الأول المحرض على أهل البحرين وعلى المجتمع البحريني، وهذه إحدى معضلات اختلال تطبيق القانون، وهو أيضاً أحد الملفات العالقة دون حل..!
ما قام به جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه أمس الأول بتوجيه الحكومة الموقرة من بعد الثناء على سمو الأمير خليفة بن سلمان ودور الحكومة في تعظيم المنجزات يعتبر خارطة طريق للأيام القادمة، فقد شدد جلالة الملك على تحقيق الأمن، والحزم مع الخارجين عن القانون، كما لفت جلالته إلى توصيات المجلس الوطني وقال إنها إرادة شعب ودليل عمل لحياة آمنة ومستقرة.
لسنا نرى أفضل من غيرنا إطلاقاً، بل هناك من الرجال والنساء المخلصين المفكرين والوطنيين من هم أفضل منا بكثير، ولهديهم رؤية عميقة لما يجري، إلا أني أشير هنا إلى نقطتين مفصليتين، وهي «ترك الملفات العالقة دون حل كل هذه المدة» والثانية «أن الأزمة حين تحدث لن تستأذننا قبل الحدوث» وهذا الأمر وقع لنا من قبل.
عامل الوقت جد حاسم، وترك الأمور تسير كما تشتهي الرياح ليس هو من العقل في شيء، ولا تقوم بذلك الدول التي لها تجارب وخبرات كبيرة، إنما حين تأتي أزمة وتنتهي فإن أول ما يجب القيام به هو دراسة كل أسبابها وطرق العلاج بشكل علمي من قبل المختصين الوطنيين.
لا أن نفرح بأن الأزمة «عدت» وانتهينا، هذا الأمر لا يفعله العاقل المتدبر القارئ لتاريخ الأحداث السياسية.
من الواجب ومن المهم أن نحصي كل الملفات العالقة، والتي تؤثر على حياة الناس، الإرهاب وعدم مواجهته بالقانون ووضع الحلول له، هو من أهم منغصات الحياة في البحرين للمواطن البسيط، ناهيك عن تأثيرات ذلك على الاقتصاد والاستثمار.
نعم هناك ملفات معيشية كثيرة تؤثر على معيشة ومشاعر الناس، وأولها الإسكان، أو بمعنى أصح «بيوت الإسكان التي تذهب إلى غير أهلها»، فبرغم كل المخصصات الضخمة لمشاريع الإسكان خاصة من بعد الدعم الخليجي، إلا أن السؤال الأعظم والأكبر هنا، لمن تبنى هذه البيوت؟
أين أهل البحرين من هذه المدن والبيوت؟
لماذا نخبئ ملفات متفجرة لمستقبل الأجيال القادمة؟
حين لا توفر الأمن، فلن تأتي الاستثمارات، بالتالي لن تخلق فرص عمل جديدة، وهذه أيضاً إحدى الملفات المتفجرة.
في غمرة الأحداث الأخيرة اكتشفنا أن عدد العاطلين والعاطلات من أهل البحرين والذين استنفروا لخدمة وطنهم في الصحة والتعليم كان كبيراً، هؤلاء كانوا صامتين ويجلسون في بيوتهم لم يتاجروا بعطالتهم عن العمل، وكانوا حين يذهبون إلى وزارة العمل يحدث لهم ما يحدث هناك، وأنتم ونحن نعلم ماذا يحدث لهم وأية وظائف تعرض عليهم، من يهيمن ويسيطر على هذه الأقسام والإدارات، من بعد أن كان العراب هناك.
هذه أيضاً من الملفات العالقة التي لم تحل، فقد ذهبت الدولة لتخلق وظائف للمتاجرين بعطالتهم، وتركت آخرين لا يفعلون ذلك، وهذه معضلة أخرى وكأن الدولة تقول للناس لا أسمعكم إلا حين تصرخون وتحرجونني..!
من أكبر هموم المواطن اليوم من بعد كارثة 2011 هو أن المواطن يسأل نفسه، وأحياناً يسأل الأصدقاء حين يتجمعون «ما هو المستقبل المنتظر والدولة لا تضع حلولاً جذرية لمشاكلنا»؟
هذا سؤال يكاد كل رب أسرة لديه أطفال يذهبون للمدرسة كل صباح يسأله لنفسه وهو يوصل أطفاله للمدرسة، ويشاهدهم وهم يحملون حقائبهم ويدخلون من باب المدرسة فيقول: والله لا أعلم ما هو المستقبل الذي ينتظركم..؟
هذا السؤال لم يأت من فراغ، هو مرتبط كثيراً بما يعايشه المواطن في حياته اليومية.
إن كان هناك شيء من المصارحة والمكاشفة فيجب علينا أن ننقل لأصحاب القرار مشاعر وأحاسيس الناس، هذا أول واجب علينا أن نقوم به ككتاب وصحافة.
قد تكون هناك شريحة من المواطنين مرتاحة مادياً، إلا أن ما يزعجها ليس المادة أو الظروف المعيشية، إنما ما يزعجها هو عدم وضوح رؤية المستقبل، ونحن في دولة صغيرة الحجم ولم نستطع أن نضع حداً للإرهاب وللمحرضين ولمحاولات الاستيلاء على الدولة من الداخل، هذا هو ما يؤرق الناس.
نحترم كل الناس، ونحترم المخلصين ممن حصلوا على الجنسية، إلا أنه لا توجد دولة في العالم تقدم أناساً على مواطنيها خاصة في خدمات الإسكان، نقول للدول «اصحوا شوي»، فقد بلغ السيل الزبى فلا تفتحوا علينا وعلى أنفسكم أبواباً موصدة.
يجب أن نصارحكم في هذا الملف الخطير، هناك خطأ تشريعي في اشتراطات منح الجنسية، فمن حصل عليها لا يجب أن يتساوى مع المواطن الذي ينتظر 20 عاماً أو بعضهم وصل إلى 25 عاماً وهو ينتظر السكن، هذا ليس من العدل في شيء..!
على الدولة أن تردم كل الأودية التي تؤدي إلى «نخر» أساسات الدولة حتى نصل إلى مرحلة الانهيار المفاجئ، أنتم تعلمون بتلك الأودية أكثر منا، ولا ينبغي أن تحتفظ الدولة بمفتاحين من مفاتيح الوزارات «أو كما يقول البعض مفتاح ونص» وتترك البقية إلى ساعة تشبه ساعة العصيان المدني في 2011، وإن كان سيحدث مجدداً فسيحدث بشكل أكبر مما حدث بكثير.
من لا يتعلم من الدروس، هو يضع نفسه كل مرة في امتحان أصعب مما مر به، وأحسب أن هذا ما يجري لنا..!
الحلول اليوم متاحة، والعقول الوطنية موجودة ولله الحمد، والإرادة الوطنية موجودة، لكن السؤال هنا؛ إلى متى ننتظر قرارات الحلول، وننتظر صرامة المواقف..؟
وهل ننتظر كارثة أخرى أكبر حجماً من التي مررنا بها؟
هل ننتظر أن تتدحرج علينا الأزمات من دول الجوار خاصة ونحن نرى كل الذي يجري حولنا؟
من لم يتعلم مما يجري لنا.. فلن تعلمه دورس الدنيا كلها..!