«وصار التطاول على رجال الدين علناً»؛ أطلقها غاضباً بعد حديثي عن «لحى البرلمان التجارية».. معتبراً هذا ضد الدين.. مستطرداً «بانتظار قلمك ضد العلمانيين المنافقين وضد الفساد...». ورغم أن ما تناوله مقالي السابق لا شأن له برجال الدين على الإطلاق.. إلا في نزر يسير من خاتمته، إلا أن ما سبق كان سبباً جيداً لأحاول وضع نفسي مكان الآخر «رجال الدين»، وللتفكر ملياً فيما يجب أو فيما يتوقع أن يكون عليه موقفهم كـ «رجال دين» من الانتخابات والبرلمان.
وجاءني خاطر.. أنه لو كف رجال الدين عن حشريتهم السياسية والتفتوا لأمور الدين وتبليغ الرسالة على نهج النبي المصطفى، ووجهوا خطبهم المنبرية لخدمته ولتعليم أصوله وعباداته بدلاً من الفتن على غير هدى في زمن المحن، لصلح الدين في البلاد وصلحت الأمة.
ثم من جانب آخر.. لو حظي مجلس النواب بقليل من الاحترام الشعبي والوعي الانتخابي؛ ليأخذ الفرصة التي يستحقها من العقول قبل اللحى والعمائم، ونال نصيبه من الخبراء والمفكرين والباحثين والاقتصاديين والسياسيين بغض النظر عن مللهم، لصلحت البلاد وصلحت الأمة.
لكن ما هو حاصل في الترشح لنيل عضوية مجلس النواب أن تتضارب الدلاء كبيرها وصغيرها، صالحها وفاسدها في بئر واحدة. حتى أن النتيجة من هذا المجلس هي في حقيقة الأمر لا نتيجة.. وتطلعات الشعب المترسبة في قاع الأولويات البرلمانية وإنجازاتها شاهد على ذلك. يتزاحم «كل من هبّ ودبّ» على رزقه ومصالحه الشخصية في استنزاف معلن لخيرات البلاد بلا مقابل حقيقي يذكر، وفي «لهط» لأموال الشعب دون خدمتهم.. أما الشعب العزيز صاحب الصوت اليوم.. مآله فور تشكيل المجلس رعية تنهشها ذئاب «الجور والفساد والجوع» يسلطها كثير من المفسدين، والنواب ركن رئيس منهم - صالحهم وفاسدهم - لا حياة لدين تنادي عليه في البرلمان- إلا من رحم ربي.
يقال ويقول رجال الدين أن السياسة مكر وخداع.. وهي معترك قذر جداً.. فما بال رجال الدين مستميتون عليها؟!
أنا لست مع أحدهم ضد الآخر.. لكن لطالما نعت رجال الدين كل من الليبراليين والعلمانيين بصفات مشينة - وهو واقع لا أدفع به الضر عن أحد ولا أدفع بالنار لأنضج بها خبز أحد- كما وانتقص بعض رجال الدين إسلام من لم يتخندق في أحزابهم، أو يضع اللحى ويقصر الأثواب أو لم يضع العمائم على شاكلتهم، وإن كان رجال الدين يرون أن هؤلاء الناقصين من أهل الدنيا والهوى لا أهل دين وجنان؛ أوليس من باب أولى أن نترك أمور الدنيا لأهل الدنيا من هؤلاء.. ونترك أمور الدين لأصحابها؟ فقد ضيعتم الدين في بلد الدين يا أهله وخاصته.
وعلى رأي عليا؛ هذا رأيي.. والقرار قراركم.