لماذا لا يطرد مالينوسكي ولماذا لا يطرد كراجيسكي؟ أليست البحرين دولة مسؤولة عن أمنها وسيادتها! فقد طرد الله إبليس من الجنة وحرمها عليه وعلى جنوده؟ ثم أليست البحرين هي من وافقت على دخوله؟ إذاً لها كل الحق أن تقرر من هو صالح ومن هو غير صالح للبقاء في البحرين، وليس لأمريكا ولا غيرها أن تحاسب دولة عربية خليجية مستقلة في تحديد سياستها واتخاذ قراراتها، فالبحرين ليست مستعمرة أمريكية وليست أحدى الدول الفاشلة.
ثم ماذا يريد مالينوسكي من البحرين بعد ترك حقوق الإنسان المنتهكة في العراق وسوريا، وحتى دولته التي تنتهك الحقوق الآدمية حيث يصبح السجين لديهم كحيوان، بل إن الحيوانات أحسن حالاً منه، يقدم لها الطعام ولا تربط أقدامها ولا كيعانها، وها هو سجن «غوانتنامو» وها هو «بوغريب» في العراق يشهدان على كيفية التعامل مع السجناء الذين يتم القبض عليهم بتهمة الإرهاب ثم يرمون في السجون دون محاكمات، ثم يأتي لنا مثل مالينوسكي وكراجيسكي وابروكسمتلي ليتجولوا وكأنهم في ولاية المكسيك أو نيوجيرسي، وحتى وإن كانوا في ولاياتهم فلا يستطيعون أن يخرجوا عن طوع حكومتهم ولا مخالفة قوانيها ولا دستورها، بل يؤدون عملهم بكل إخلاص وتفانٍ لأنهم يعلمون واتصالاتهم مسجلة وحركاتهم مقيدة وحياتهم الخاصة مكشوفة، فلا يستطيعون أن يلتفتوا يمنة ولا يسرة لأنهم يدركون العاقبة، فأمريكا لا تتلاعب في أمر يخص سيادتها. وها هي الحكومة الأمريكية تقيل 9 من الضباط رفيعي المستوى في قواعد الصواريخ العابرة للقارات في قضية الغش في الامتحانات الدورية للكفاءات المهنية، فالأمر عندما يتعلق بأمريكا وقوانينها وأمنها وسلامتها لا تفكر ولا تعيد النظر في قراراتها، فكيف لو أن الحكومة الأمريكية علمت أن هناك دبلوماسياً أو مسؤولاً أجنبياً يلتقي بجماعات محرضة معادية لها، فماذا تعتقدون سيكون رد فعلها؟ هل ستأخذه بالأحضان وتستدعيه وتسأله وانتهت القضية أم ترحله وتقطع العلاقة مع بلاده؟
وها هي الهند تطرد دبلوماسياً أمريكياً على خلفية تعرض الدبلوماسية الهندية «دفياني خوبراجادي» للتفتيش بعد القبض عليها بتهمة إساءة معاملة لخادمتها الهندية، فتصفد وتجردها من ملابسها للتفتيش الذاتي، هكذا تتعامل أمريكا مع الدبلوماسيين، ولكن الهند لقنتها درساً وجعلت كيري يهرول ويعتذر، بعدما طلب وزير الشؤون البرلمانية الهندي أن تقدم أمريكا الاعتذار والاعتراف بأنها أخطأت، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «نتوقع ونأمل أن ينتهي ذلك الآن وأن يتخذ الهنود خطوات مهمة معنا لتحسين علاقتنا وإعادتها إلى موضع بناء بدرجة أكبر».
ولـــم تكتفِ الهند بطرد الدبلوماســـي الأمريكي، بل قامت بسحب بطاقات الهويـــــة الممنوحــــــة للموظفيـــــن الأمريكيين العاملين لديها، والتي تتيح لهم المرور بسرعة أكبر من بوابات المراقبة في المطارات والأماكن العامة، كما قامت بإزالة الحواجز الأمنية أمام السفارة الأمريكية في نيودلهي مما قد يعرضها لهجوم إرهابي، كذلك خرج الشعب الهندي في مظاهرات تندد بالاعتداء الأمريكي على الكرامة الوطنية، حيث قام المتظاهرون بوضع صور أوباما على أجسادهم العارية.
أما مقارنة رد الفعل الأمريكي ضد طلب البحرين بمغادرة مالينوسكي، فقد أعلن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن «الخطوة البحرينية تشوش على الخطوات الأمريكية المرسومة بعناية من أجل الانتخابات التشريعية القادمة، التي تهدف إلى تشجيع الوفاق للمشاركة في الانتخابات، ولكن الخطوة الأخيرة أثرت على ذلك سلبياً، وأن على حكومتي المنامة وواشنطن العمل على استعادة العلاقات بينهما قبل أن تبدأ التداعيات السلبية لإبعاد الدبلوماسي الأمريكي بالظهور»، أي أنه تهديد مباشر، كما إنه اعتراف بتدخل أمريكا لصالح الوفاق، أي أن هناك اتصالاً مباشراً بين أمريكا والوفاق، وأن اجتماع مالينوسكي بالوفاق هو جزء من هذا الاتصال وتبادل المصالح.
إذاً أين سيادة الدولة التي تنتهكها أمريكا بسفيرها وموظفيها، فهل انتهاك حقوق دبلوماسية هندية أكبر من انتهاك سيادة دولة؟ وهل سلامة الامتحانات الدورية لضباط قواعد الصواريخ أهم من سلامة دولة بنظامها وشعبها وأرضها؟ أم أن أمريكا تنظر إلى البحرين كما تنظر إلى الصومال وأفغانستان؟
نقول للدولة؛ نحن اليوم نعيش ساعات كنا نحلم بها ونتمناها، ساعات فيها شعرنا بشعور من زمن لم نعشه، حين تدافع الدولة عن حماها وتقطع يد أعدائها بقرارات حاسمة وجدية ليس فيها مراجعة ولا رجعة، ولو كلفها ذلك بأن تواجه دولة مثل أمريكا، هذه أمريكا التي مرغ أنفها الشعب المقاوم في العراق ودكت حصونها في أفغانستان ليس من قبل جيوش جرارة بل من ثوار أحرار لا يحملون غير عصي وبعضاً من قطع السلاح، فكيف بدولة مثل البحرين يسكنها شعب شجاع ولديها جيش معافى سليم مقدام، كما لديهم إخوان لن يترددوا لحظة في الدفاع عنهم جيوشاً وشعوباً.
ولا يسعنا هنا إلا أن نعبر عن فرحتنا وسعادتنا ونقول وداعاً يا مالينوسكي وقريباً دورك أن شاء الله يا توماس كراجيسكي