انتهى جيل الوعّاظ وابتدأ جيل وعّاظ في تصرفاتهم عظة. فقبل أشهر انتشرت كالنار في الهشيم عبر «واتساب» موعظة منمقة بالصورة والخط والإخراج مضمونها أن رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير قالت عندما تم حرق المسجد الأقصى في 22 أغسطس 1969م: «لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب يدخلون علينا أفواجاً من كل صوب، وعندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت أن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أمة نائمة».
لقد اعتقد الوعاظ الجدد أن داعش وحزب الله سيغلقون بوابات الفوضى في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وسيعمدون لتخليص بوابات المسجد الأقصى الأربع من يد الصهاينة، لكن الوعاظ الجدد فاتهم أن جمهور التواصل الاجتماعي الجدد وثوارهم كصندوق زجاجات الكولا القديم؛ تتفاعل زجاجاته حين يرتج حتى يخيل إليك أنها ستتفجر، لكنها تعود للسكينة حال وضع الصندوق على الأرض.
فبعد زوال شحنة الإثارة التي أعطاها للمتطرفين اليهود بحربه على غزة، عاد رئيس حكومة الصهاينة بنيامين نتنياهو بجرعة جديدة لهم بانتهاك حرمة الأقصى بقرار إغلاقه في وجه المصلين.
فهل كان الإغلاق ردة فعل آنية على أحداث العنف التي سبقتها أم جزءاً من أجندة تقسيم الأقصى؟
يمكن القول وبراحة ضمير إن أمتنا وفي عريها الصارخ حالياً جاهزة لتلقي عمل مماثل لحرق الأقصى، وإن تراجع نتنياهو كان لحسابات داخلية، فالمخطط ثمرة لم تنضج بعد، وقد بين له ناصحوه الصهاينة أن التراجع أهون من الفشل، فتراجع إلى حين.
تقوم خطة تقسيم الأقصى على ثلاثة محاور؛ التقسيم المكاني والتقسيم الزماني والتقسيم العمري، والفكر المحرك لها رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست ميري ريجب «Mary Rigab» والعضو في حزب الليكود الحاكم، فرغم أن المسجد الأقصى بكامل مساحته الـ 144 دونماً، ما فوق الأرض وما تحتها، يعد حقاً خالصاً للمسلمين وحدهم دينياً وتاريخياً وفي وثائق الأمم المتحدة أيضاً؛ إلا أن مكر «ريجب» تسلل من باب آخر؛ فقد استطاعت الحصول على دعم كبير في الكنيست لتقسيم أوقات الصلاة في الأقصى ووجود اليهود في المسجد الإبراهيمي، دون وجود مسلمين في بعض الأوقات، وكذلك ايجاد مساحات من المسجد الإبراهيمي تخصص لليهود في أوقات معينة، كما يمنع في أوقات معينة دخول أي مسلم للمسجد الإبراهيمي، خاصة في مواسم الأعياد والاحتفالات اليهودية، كما يمنع رفع الآذان للصلاة في أوقات أو أيام معينة احتراماً لليهود الذين يقيمون شعائرهم حينها، مما يعني أن مقترح قانون «ريجب» يقضي بتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً.
ما قام به نتنياهو لم يكن إلا توسع في القانون الذي طرحته «ريجب»، التي نتوقع لها مستقبلاً باهراً بين الصهاينة ما دامت شعبيتهم تقاس بدرجة إذلال العرب، لقد أمر نتنياهو بإغلاق المسجد الأقصى حتى يتفوق على «ميري ريجب» مستخدماً قانونها ومتوسعاً فيه أكثر منها، حيث أن في القانون ما يقضي بمنع أي مظاهر للمنع أو التصدي لاقتحامات اليهود أو صلواتهم في المسجد الأقصى، وبمعاقبة كل من يحاول ذلك «ولو برفع الصوت» وبغرامة تصل 15 ألف دولار، تدفع للمتضرر اليهودي حين يمنع من اقتحام الأقصى.
لقد ذهب نتينياهو إلى آخر هدف من القانون وهو منع المسلمين من الصلاة في الأقصى، وكان يعلم أنه سيتراجع، فطبق قانوناً بديلاً وهو أن لا يصلى فيه إلا من يزيد عمره عن الـ 50 عاماً من الرجال، وبعد جولة عنف قادمة سيرفع عمر المصلين إلى الـ 60 عاماً ثم الـ 70، حتى يخلو من المصلين.
في عقد قادم من عصور الانحطاط سيكتب واعظ جديد أن رئيسة وزراء الكيان الصهيوني «ميري ريجب» قالت عندما وضعت قانون يقضي بمنع رفع الآذان في الأقصى ومعاقبة من يتصدى لاقتحامات اليهود للمسجد، ولو برفع الصوت «لم أنم ليلتها وأنا أتخيل العرب يدخلون علينا أفواجاً من كل صوب، وعندما طلع الصباح ولم يحدث شيء، أدركت صحة ما قالته غولدا مائير عام 1969م أن باستطاعتنا فعل ما نشاء فهذه أمة نائمة».