لا يحتاج العظماء لشهادات تصدر من غيرهم للتأكيد على عظمتهم، وإن صدرت شهادات إنسانية وفكرية لقامات كبيرة في حقهم، فذلك لميزة يتمتع بها هؤلاء العظماء، ولربما تكون شهادتهم تعزيزاً وتوضيحاً لمقامهم السامي بين كل البشر، فحين يمدح أحدهم الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فإنه لن يضيف لمقامه العظيم أية عظمة، ولكن ستكون شهادتهم تأكيداً على هذه العظمة التي نؤمن بها سلفاً.
إن عظيماً كالحسين بن علي لا يحتاج لشهادات من هنا وهناك لقياس مستوى عظمته، لأن عظمته الحقيقية هي عظمة ذاتية ومتأصلة في شخصيته وتكوينه، ولكن من الممكن أن تكون شهادة الآخر فيه مصداقاً وتأكيداً لما نذهب إليه في حق عظيم من عظماء البشرية، ولهذا سنتناول هنا ما قاله غير المسلمين في الحسين بن علي، لنتعرف من يكون هذا الإنسان العظيم في عيون الآخرين.
قال المفكر الإنجليزي جورج برنارد شو:«ما من رجل متنور إلا وعليه الوقوف وقفة إجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة أمام حفنة من الأقزام». ووصف الأديب الألماني يوهان فولفجانج فون جوته مأساة الحسين بقوله: «إن مأساة الحسين هي مأساة للضمير الإنساني كله، وإن الحسين جسد الضمير الإنساني بدفاعه عن القيم والمثل الإنسانية الرفيعة».
قال المستشرق الألماني ماربين: «قدم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر، أن الظلم والجور لادوام لهما. وإن صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر، إلا أنه لايعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح».
ليس هذا وحسب، بل ذهب الكاتب الإنجليزي كارلس السير برسي سايكوس ديكنز إلى أبعد من ذلك فقال: «إن كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال؟ إذاً فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام». وأضاف: «إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى اعجابنا وأكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا».
من جهته أكد المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس قائلا: «حقاً إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إرادياً. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتاً عالياً وخالداً لا زوال له إلى الأبد». أما الباحث الإنكليزي جون أشر فقد قال: «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي». وأخيراً يؤكد المفكر المسيحي أنطوان بارا حول عظمة الحسين قائلاً: «إن الإمام الحسين وعصبته القليلة المؤمنة عزموا على الكفاح حتى الموت، وقاتلوا ببطولة وبسالة ظلت تتحدى إعجابنا وإكبارنا عبر القرون حتى يومنا هذا».
حين نقف على هذه المضامين الخيرة والمختارة والتي تقع من بين آلاف الكلمات الفكرية والأدبية والثقافية والعاطفية لشخصيات غير مسلمة، والتي أجمعت كلها على مكانة وعظمة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فإننا بذلك وصلنا إلى مرحلة من اليقين التام، بأن الحسين بن علي، هو من أعظم عظماء البشرية، وأن نهضته لم تكن وقتية ولا عنصرية ولا فئوية، بل هي نهضة إنسانية شاملة، تستوعب كل العالم، كما أنها ستظل خالدة وممتدة على مر العصور والأزمنة، وهذا أهم ما يمكن أن يميز ثورة الحسين عن بقية الثورات في التاريخ وفي الحاضر وحتى المستقبل.