سأتوقف في هذا المقال في محطة أحسبها هامة قبل أن أذهب إلى ما أنا بصدده من أحداث تجري على الساحة اليوم وأصبحت حديث الناس في كل مكان.
قرأت أمس تصريحاً للسفير الروسي لدى المملكة فيكتور سميرنوف الذي قال خلال لقاء نظمته المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان للالتقاء بسفراء عرب وأجانب: «إن البحرينيين يعرفون تماماً ما يتوجب عليهم فعله إزاء شؤونهم الداخلية ومنها حقوق الإنسان، وليسوا بحاجة لإملاءات وضغوط مؤكداً دعم بلاده الكامل للبحرين والبحرينيين، ورفض السفير استخدام حقوق الإنسان لوضع ضغوط على بلد من قبل دول أخرى».
هذا تصريح هام وممتاز من سعادة السفير الروسي، وموقف طيب منه ومن بلده، وهذا يظهر أن التواصل مع السفراء ووضع الحقائق أمامهم، أدى إلى وضوح الصورة عندهم، كلام السفير الروسي يجب أن يشكر عليه منا نحن كشعب، كما يجب أن تقوم الدولة بالتواصل معه أكثر، وأن يقدم له المسؤولون الشكر على موقفه، ويجب بناء علاقات طيبة مبنية على المصالح المشتركة مع دولة لها ثقلها العالمي مثل روسيا، ولها ثقلها الكبير بمجلس الأمن.
تصريح السفير الروسي من حيث يعلم السفير أو لا يعلم، جعل البعض في الزاوية، فقد عولوا كثيراً على المواقف الروسية سابقاً، والحمد لله أن الدولة وقادة البحرين قاموا بجهود كبيرة لبناء علاقات قوية مع الجانب الروسي، أدت هذه الجهود إلى توضيح حقيقة ما يجري بالبحرين كدولة مؤثرة في وسط الخليج العربي.
بعيداً عن تصريحات السفير الروسي التي أعتبرها هامة في توقيت هام ويجب أن نقول شكراً لموقف السفير شعباً وحكومة. أذهب الآن إلى ما قام به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد حفظه الله من جهود لإطلاع المجتمع البحريني على الخطوات التي تمت، من بعد ما تم الأخذ بمرئيات جميع الأطراف على طاولة الحوار، وصيغت بشكل «توافقي» لتعرض على ممثلين للمجتمع من أعيان ووجهاء ورجال دين للتشاور والسماع منهم، وإسماعهم.
هذه الخطوة هي خطوة طيبة وما قام به سمو ولي العهد من جهود حثيثة منذ بداية الأزمة وحتى اليوم هي محل تقدير من أهل البحرين، ذلك أن الهدف هو إخراج البحرين مما كانت فيه من ظروف، وصولاً إلى الاستقرار والتنمية المنشودة بمشاركة الجميع.
بعد اليوم الأول من الاجتماعات خرجت أصوات نشاز تقول إنها لم تتفق على شيء حول مخرجات اللقاءات التي تمت بداية العام الحالي «مع جميع الأطراف المشاركة في الحوار الوطني» وهذا يظهر أن هناك حالة من الإنكار والتراجع من قبل أطراف عقدت معها جلسات تقارب 15 جلسة «هكذا تسرب».
في هذه اللقاءات حاول البعض ممارسة أدوار قديمة مكشوفة وهي المراوحة، وعدم الجدية، وبالتالي فإن هذا الوضع يعني أن طرفاً ما يعمل على الوقت لتمديد الأزمة، أو أنه يقوم بتصعيد المطالب رغم معرفته أن هناك أطرافاً أخرى تقدم مرئياتها ومطالبها.
فكرة لقاء «فسيفساء» المجتمع البحريني هي فكرة صائبة، وقد نقل عن سمو ولي العهد أمس أنه قال «إن أغلب الناس لا تنتمي إلى جمعيات سياسية، وليست الجمعيات السياسية إلا جزءاً من المجتمع».
وهذا الكلام صحيح تماماً، فالجمعيات لا تمثل غالبية أهل البحرين، وهناك جمعيات تجلس على طاولة الحوار ليس لها تمثيل في الشارع والجميع يعرف ذلك، غير أنهم أصبحوا يتحدثون باسم الناس.
هناك أمور يجب أن تدرك خلال هذه المرحلة وهي أن الدولة حزمت أمرها تجاه أخذ خطوات تتعلق بنقاط التوافق التي تم التوصل إليها، ومنها تعديل الدوائر «لا يعرف حتى الساعة على أية هيئة ستعدل الدوائر لكن كما ورد في النقاط التي طرحت أمس فإنها ستصبح أكثر تمثيلاً».
من هنا فإن هذه الخطوات تسبق مرسوم إجراء الانتخابات وموعدها، وتهيئة جميع الأطراف للدخول في الانتخابات.
يتوقع أن يكون يوم الأحد القادم هو يوم صدور تعديلات الدوائر الانتخابية وأن يترأس جلسة مجلس الوزراء جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه، من هنا فإن تعديل الدوائر والإجراءات المصاحبة ستكون تمهيداً لحالة سياسية جديدة تفضي إلى مشاركة أوسع في الانتخابات القادمة، والبعض يتوقع «رغم أصوات المقاطعة» أن تكون الانتخاب القادمة شرسة جداً، ومحتدمة.
نكتب بصراحة متناهية، أكثر ما راق لي هو أن الدولة حزمت أمرها في السير تجاه الهدف «حتى وأنا لا أعلم على أية صورة ستعدل الدوائر» إلا أن من الواضح أن الدولة قدمت ما لديها وستقدم خلال الفترة القادمة، ومن بعدها فإن من أراد أن يركب المركب فأهلاً به، ومن أراد أن يتخلف، فذلك شأنه.
لا ينفصل عما سبق أن الرياح ليست في صالح من أراد الانقلاب، الرياح تعاكسهم تماماً، وهم أنفسهم يدركون ذلك، غير أن ركوب موجة التعنت، أو إظهار أنهم في موقف قوي إنما هو جزء من ممارسة الدجل على الناس، وإيهام الدولة أنهم لن يقبلوا بأي شيء.
ذكرت سابقاً، أن تفويت فرصة دخول المجلس والحصول على المكاسب بما فيها مكاسب التعديلات الأخيرة على قانون المجلسين واللائحة الداخلية ناهيك عن المكاسب التي تتحصل عليها الوفاق من خلال تعاون الحكومة معهم في المشاريع الخدمية التي تخدم الناس، وخسارة التمثيل الخارجي والتحدث مع الخارج بصفة أعضاء في مجلس النواب المنتخب، كل هذه خسارات كبيرة ستتكبدها تلك الجماعات لو أقدمت على «غباء المقاطعة».
لا أحد أكثر من تلك الجمعيات الانقلابية يدرك حجم خسارة الاستقالة والمقاطعة، حتى أن رئيس تحرير الصحيفة الصفراء كتب ذات مرة عن هذا الخطأ الاستراتيجي، من هنا فإنه من الواضح أن المشرعن للجمعية الانقلابية من فوق المنابر يعد خطبة يلقيها من بعد صدور التعديلات تعلن المشاركة في الانتخابات القادمة.
هناك شارع يرفض خطوات الوفاق ويرفض قبول الوفاق بأي شيء من بعد كل هذا المشوار الطويل والكوارث التي حدثت، كما أن الوفاق بالمقابل لا تستطيع عصيان أمر العم سام بالمشاركة في الانتخابات.
كلما مر الوقت تتقهقر الجمعيات الانقلابية أكثر، هذا مشاهد اليوم ولا يحتاج إلى تحليل، الجميع يشاهد الحالة المزرية والاختلافات والانشقاقات بين من «تحسبونهم جميعاً وقلوبهم شتى» كما أن إعلان المشاركة في الانتخابات سيشق صفهم أكثر، فمن تحسبونهم يقفون «جنب بعض» مثل حطب لعبة «البولينغ» يتصادمون ببعض الآن، فقد توالت عليهم الصدمات..!
كل هذه المعطيات و»التقاطعات» و»المخاضات» تنبئ بتفاعلات كبيرة تحدث هذه الأيام، وستحدث لاحقاً، لكن المهم اليوم أن المركب يسير «وبإذن الله وتوفيقه سيبقى يسير» ومن أراد أن يركب، فليركب، ومن أراد أن يتخلف، فليفعل.. ففي الحياة لا أحد يتعلم من التجارب والدروس بالمجان، وفي السياسة أيضاً لكل موقف ثمن وفاتورة تسدد..!