من الأحاديث العظيمة في باب الأدب النبوي ما ورد عن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم «مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستحِ فاصنع ماشئت»، وبالتأكيد أن الذي نزع عن وجهه برقع الحياء لا يكتفي بفعل المشين من الأعمال، بل يتعداه بالافتراء والكذب في الأقوال، وأكثر من يمارس هذا السلوك المشين هم رجالات السياسة، وأنا أعمم حتى لا أظلم، لكن جلهم استمرئ هذا السلوك، بل هو من أبجديات عمله اليومي وربما لو كان هناك مسح أو دراسة دقيقة لمن يمارس هذا السلوك لتصدره سياسيو بعض البلدان العربية وأعقبهم سياسيو إيران وأمريكا والقائمة تطول، وهذا الاستنتاج له شواهد أكثر من أن تعد وتحصى، وسنكتفي بالإشارة إلى أحدث كذبة في عالم السياسة، الذي اختلطت فيه الألوان وأصبح كلوحة فنية مشوهة لا تكاد أن تميز فيها أي معالم.
بالأمس القريب فاجأنا السيد محمد جواد ظريف، وزير خارجية جمهورية ايران الإسلامية، بتصريح يعلم هو في قرارة نفسه بعدم واقعيته وصدقه، وذلك عندما صرح في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع السيد هوشيار زيباري وزير خارجية جمهورية العراق في حكومة المالكي المنتهية ولايته، والذي لا يختلف عن نظيره بشيء سوى انبساط وجهه وترهل وسطه وأردافه، فالاثنان مارسا التضليل الإعلامي والنفاق السياسي بشكل مقزز ومكشوف، بل إن قهقهة الزيباري أثناء مخاطبته للصحافيين ومندوبي الوكالات الإخبارية تنم عن عدم اكتراثه بالرأي العالمي.
فتصريح الظريف أذهل المراقبين، خاصة امتداحه لحكومة المالكي وقيادته ووصفها بالحكيمة والوطنية، والتي اتفق العالم للمرة الأولى على طائفيتها ودمويتها وفسادها وتخلف وغباء كل طاقمها، وهي التي مزقت العراق وجعلته في آخر السلم العالمي في كل الخدمات، وفي أول السلم في الجرائم والفساد والموبقات، كذلك تصريحه الآخر بأن إيران ستدعم حكومة العبادي كما ما دعمت حكومة المالكي، وهذا اعتراف خطير بتدخلهم السافر في شأن دولة مستقلة ذات سيادة.
أما الفرية الأخرى التي أراد أن يسوقها ذلك الضيف الظريف، فهو إنكاره لتواجد أي جندي إيراني على الأراضي العراقية، والجميع يعلم حجم التدخل السافر من قوات فيلق القدس بقيادة سليماني وعشرات الميليشيات التي تدار من قبلهم، وليس مخفٍ على أحد طاقم القوة الجوية الإيرانية الذين ينفذون طلعات هجومية واستطلاعية يومية فوق المحافظات الثائرة، حيث أسقطت بعض منها بنيران الثوار وتم تشييع طياريها في مواكب تناقلتها كثير من المواقع والفضائيات.
أما الافتراءات التي سوقها السيد الزيباري فكثيرة، لكن أكثرها سخرية هو تأكيده للظريف الضيف والحضور أن كتلته الكردستانية تسعى مع العبادي رئيس الوزراء العراقي المكلف لتشكيل حكومة وطنية بعيداً عن جميع الضغوط أو الإملاءات العالمية، خاصة الأمريكية وحتى الإيرانية، وهنا قهقه سعادة الوزير لعلمه يقيناً استحالة تمرير أو تشكيل حكومته قبل مصادقة وتلاقي مصالح الأخشبين، اللذين إن أطبقا على العراق سيحيلانه إلى «أثر بعد عين»، وهذه المرة بالذريعة الجديدة التي أصبحت تقلق المجتمع الدولي «داعش وربيباتها»، السرطان الذي ينخر في جسد العراق والشام العزيزين، والذي تم زرعه فيهما بعملية فائقة الدقة بيد جراح ماهر، وبعد أن استقرت تلك الخلايا المتسرطنة قرر ذلك الجراح فجأة استئصالها، ولا ندري إن حدث خطأ طبي في الزرع أم أن التجربة أنجزت وتم استخلاص نتائجها؟