كشف تقرير السعادة الصادر عن الأمم المتحدة لهذا العام أن الشعب الدنماركي هو أسعد الشعوب يليه بفارق بسيط الشعب السويسري ثم شعب النمسا. أما الدول العربية فقد تصدرت القائمة دولة الإمارات العربية وجاءت اليمن وسوريا في نهايتها. وهذا العام أطلقت إمارة دبي بدولة الإمارات العربية تطبيق مؤشرات السعادة في مؤسسات الدولة وقياس مدى رضا الناس عن الإمارة كي تسرع في عملية تقدمها في المؤشرات الدولية لنتائج السعادة ورضا الشعوب.
استناداً إلى معايير الأمم المتحدة؛ فإن سعادة الشعوب تقاس بمدى شعور الفرد بالرضا والسعادة في حياته، وعادة ما تكون الدول ذات الدخل المرتفع هي التي يشعر شعبها بسعادة أكثر نسبياً، يضاف إلى ذلك عوامل أخرى مساعدة مثل الدخل الإضافي والدعم الاجتماعي وإلغاء الضرائب وغياب الفساد وارتفاع مستوى الحرية التي يتمتع بها الفرد. كما تتكامل معها عوامل إضافية مثل حجم الناتج المحلي للدولة مقارنة بالموارد المتاحة، والوضع السياسي في البلد ومدى استقراره، والوضع البيئي وعدد السكان. وكل تلك المؤشرات مرتفعة في دول متقدمة مثل دول الاتحاد الأوروبي. ومن باب رفع مستوى السعادة والرضا في الصين قامت الحكومة الصينية بقياس مؤشرات السعادة في كل مدينة كبيرة وخلقت حالة من التنافسية في الأداء الحكومية والفردي، وركزت معايير الصين الوطنية على قياس رضا المواطنين من حكومتهم وأدائها، علاقتهم بالبيئة حولهم، رضاهم عن الوضع الاقتصادي، وفاعلية جودة التعليم في نظرهم، وتطور ثقافة المواطنين.
وفي تعليق أحد رجال الأعمال العرب المليونيرية على نتائج مؤشرات السعادة العالمية بين أن ثمة فارقاً في مفهوم السعادة بين الشعوب استناداً إلى ثقافتها، ففي العالم العربي والإسلامي علينا قياس رضا المواطنين الروحي وقياس مستوى القناعة لديهم وصبرهم على ما يصابون به من ابتلاءات وآلام. وعلى الرغم من صحة الكلام من الناحية النظرية إلا أن هذه الشعارات تجاوزت الحالة الفردية التي تمثل علاقة الإنسان مع قدره ومصيره، واستخدمت طويلاً في الثقافة العربية لترسخ الواقع المرير بممارساته الخاطئة وتعامله غير العادل بين الناس، وتسببت في ترسب الحزن عميقاً في وجدان المواطن العربي والمسلم. فكم مرة نظر أحدنا إلى التفاوت غير المتكافئ بين الناس الناتج عن غياب العدالة وضبابية المعايير وسيطرة القرارات الفردية على مصير المجتمع، وكان جواب المستفيدين من هذا الواقع: أحمد ربك... أنت أحسن من غيرك!
وكم تعايشنا عقوداً متلاحقة مع (خرافة) أن الشعوب الغربية تعاني من الفراغ الروحي ومن التعاسة والحزن والتفكك وأن نسب الجريمة عندهم في اطراد ونسب الانتحار في ارتفاع، وأنهم يمتهنون المرأة ويحتقرون مؤسسة الأسرة وأن الفرد هناك يعيش يومه ليحيى حياته فترتفع لدية قيم الذاتية والأنانية وتتوارى القيم الجماعية والإنسانية. ثم أفقنا من غيبوبتنا لنجد أن دولهم تتميز بالتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي وأن المرأة وصلت إلى رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة وأن القانون والعدالة هما أساس الحكم والتعامل وأن الفرد في الغرب يتمتع بالصحة وطول العمر ويستمتع بالرياضة والسفر ويحظى بالدفء الأسري.
ثم وجدنا بلداننا، برغم ثرواتنا، تمتلئ بالفقراء والمشردين والأيتام والعاجزين عن الحصول على العلاج المتقدم والعاطلين عن العمل والمديونين، وأن ثقافتنا قد فرخت الجماعات المتطرفة والطائفية وأن مشاعر الكراهية تجاه الآخر قد أطبقت على مجتمعاتنا حتى لا يكاد ينجو من مسها فرد مهما تسامى ونأى بنفسه. وأن من قضوا من شعوبنا في الحروب والمجازر يوميًا هم أضعاف من ينتحرون سنوياً في العالم بأسره!. وأن احترامنا للمرأة وإسعافنا لها في مصابها تمثل أحيانا في مظاهر متخلفة كان أحدها توزيع اللاجئات البوسنيات في التسعينات في إحدى الدول العربية في المساجد على المصلين لتكون زوجة ثانية أو ثالثة، وبتقديم مهر لا يتجاوز الخمس مائة دولار للفتيات السوريات الهاربات مع أسرهن إلى بعض الدول العربية!! فهل نحن شعوب سعيدة فعلاً؟!!
أفضل إنجاز قدمته الأمم المتحدة في هذا المجال أن اعتبرت يوم 20 مارس من كل عام يوماً للاحتفال بالسعادة، وأنها وضعت معايير دولية لقياس سعادة الشعوب في العالم أجمع. وأفضل وسيلة نعرف فيها هل نحن سعداء أو نتظاهر بالسعادة أو نعاني من التعاسة أن ننظر للعالم المتقدم كيف يعيش ومن هم سعداؤه وكيف يحققون أحلامهم، فتلك الشعوب تحب الحياة لأن الحياة منحت لنا لنسعد بها. وعلينا التخلي، شيئاً ما، عن فكرة أن ننظر إلى من هم دوننا بحجة التمكن من ابتلاع أوجاعنا؛ لأن ذلك أدى بنا إلى أن نرضى باختلالات مجتمعاتنا التي أتاحت لغيرنا السعادة على حسابنا.