تمر علينا في حياتنا صور ومشاهد ووقائع كثيرة، نشاهد أحياناً فتاة جميلة بملامحها العربية الأصيلة؛ غير أن هذه الفتاة لا تقتنع بجمالها الرباني، فتجدها تتنقل من طبيب تجميل إلى آخر رغم أنها لم تبلغ الثلاثين من العمر.
هذا الطبيب يقول لها تحتاجين إلى تنفيخ في هذا المكان، وآخر يقول لها تحتاجين إلى ترفيع في هذا المكان من وجهك، وهكذا حتى تقع في يد طبيب تجميل يريد أن يأخذ منها الأموال وحسب، فيجري لها تنفيخات في وجنتيها، وترفيع الحواجب حتى تصبح مثل «الساحرة في أفلام الكارتون» ويجري لها التنفيخ في شفتيها، فإذا ما سجدت في الصلاة تلامس شفتاها السجادة قبل أنفها، هذا إذا أدت فريضة الصلاة..!
وبعد شهور من العمليات ودوامة العمليات تجلس أمام المرآة، تقلب صورها القديمة وتقول ماذا فعلت بنفسي؟
كنت جميلة جداً لماذا فعلت بنفسي كذا وكذا؟ ولماذا سمعت نصائح أطباء تجميل، كان همهم أخذ الأموال، وليس حاجتي للعمليات..؟
ثم تذرف الدموع تريد العودة لما كان عليه شكلها قبل العمليات، لكن هذا أشبه بالمستحيل، من بعد عمليات التنفيخ التي جعلت وجهها منتفخاً مثل «الكيكة» التي تخرج من الفرن..!
ما فعلته هذه الفتاة بنفسها، أخشى أننا فعلناه بوطننا، وأخشى أن يكون الوقت فات على تدارك ما يمكن إدراكه، فقد فعلنا بوطننا ما فعلنا منذ عشرينات القرن الماضي من خلال تجنيس من لا يستحقون الجنسية، وقيل ساعتها «وشعاد هذيله الا مزارعين جبناهم يزرعون مزارعنا»..!!
بينما حدث لنا مثل الذي حدث في العشرينات في حقب متوالية متعددة بفوارق زمنية حتى نهاية القرن العشرين، أو بمعنى أصح وأدق حتى حدث الخروج الطائفي على المجتمع البحريني وعلى الدولة في 2011.
في المقابل حدثت هجرات من أهل البحرين «العوائل والقبائل» في حقب متوالية أيضاً في ذات القرن السالف، ولن أتطرق للأسباب، وهذا أيضاً أوصلنا إلى ما حدث في العام 2011 كنتيجة حتمية، فما حدث في السنوات السابقة للتاريخ المذكور، تأتي نتائجه في السنوات اللاحقة، هذا الأمر لا يحتاج إلى دراسات ولا إلى أرقام، فقد يحتاج إلى تدبر وعقل وربط للأمور والأحداث.
قبل يومين أيضاً خرجت معلومات من الجهاز المركزي للمعلومات تقول إن عدد سكان البحرين سيصبح بعد 13 عاماً (أي في العام 2027) مليوني نسمة..!!
وأظهرت إحصاءات الجهاز المركزي للمعلومات أن نسبة الزيادة اليومية بلغت 118 نسمة..!!
كل هذه المعلومات تظهر أن هناك انفجاراً في الأرقام حدث فجأة، من بعد أن كان عدد سكان البحرين «من المواطنين 600 ألف نسمة في سنوات قليلة ماضية» بينما يتكدس هذا العدد الكبير من السكان في مناطق أعلى خارطة البحرين الجغرافية، وهذا مؤشر خطير أيضاً.
وسط كل ذلك خرج المدعو علي سلمان بتصريحات مؤخراً يدعو فيها إلى زيادة نسبة الإنجاب، لكنه هذه المرة حاول أن يخفي الوجه الطائفي القبيح لتصريحاته، وحاول معالجة الوجه الطائفي منذ الخروج الفئوي في 2011، والذي كان خطأ استراتيجياً كبيراً ارتكب في ساعتها حين أرادوا الانقلاب من أجل الطائفة.
خرج سلمان مؤخراً وقال: أدعو البحرينيين سنة وشيعة إلى زيادة الإنجاب..!
والدعوة في أصلها موجهة إلى طرف دون آخر، فقد كانت ومازالت هذه هي استراتيجية الاستيلاء على الدولة والحكم من خلال التوالد السياسي، أو ما يسمى بتوالد الاستحواذ.
فالتوالد للاستحواذ يعني الاستيلاء على مؤسسات التعليم من الداخل، بدءاً من مقاعد الدراسة والبعثات، وحتى الاستيلاء على الوظائف، والنقابات، واتحاد العمال، بشكل تدريجي سلس وغير محسوس، إلى أن يفضي إلى الاستيلاء من الداخل على الدولة، والدولة كما عادتها القديمة الجديدة تغط في سبات عميق، وتسلم المفاتيح، مفتاحاً تلو آخر بإرادتها، إلى أن بقي في يدها مفتاحان فقط..!!
السؤال هنا؛ من الذي يقع بين فكي التجنيس بكل أنواعه وأشكاله ومراحله، وبين التوالد السياسي ودعوة علي سلمان للإنجاب؟
من الذي يسدد فاتورة الأخطاء الاستراتيجية، وإصلاحها بأخطاء أكبر؟
من هم الذين يطحنون بين الحجرين؟
لماذا تفعل دولتنا كما فعلت تلك الفتاة الجميلة حين لم تكن راضية عن جمالها وملامحها العربية، وأرادت تغيير شيء بشيء آخر، فكانت الكارثة..!
لا نذم كل التجنيس، ولا نرجم أحداً، إنما نتحدث عمن حمل جنسية الوطن وهو لا يستحقها كائناً من كان، هنا الخطر، بالمقابل هناك تحليلات وهناك توقعات، وهناك من أخذ يقول من يدري عن المستقبل؟
فقد يحدث تلاقٍ وتقارب يرتكز على المصالح بين من خرجوا في 2011، وبين «بعض» من تحصل على الجنسية، وهذه فرضية قد تحدث، والمال يغري «أكبرها راس»..!
أشدد على كلمة «بعض» من تحصلوا على الجنسية، فهناك من تحصل عليها وهو لها أهل ويفدي البحرين بروحه، وهؤلاء لهم التقدير والمحبة من أغلب أهل البحرين.
في المحصلة فإن من المهم جداً أن يخطط لمستقبل البحرين بشكل مغاير، وأفضل مما يحدث، الخطط الاستراتيجية تحتاج إلى الحس الوطني البحريني قبل العقول، والكفاءات، وعلينا الاعتراف أن هناك مشكلة موجودة وهذا الاعتراف يتطلب الجلوس على طاولة وطنية صرفة يتم معها وضع الخطط لمستقبل البحرين «ترى ما يحك جلدك إلا ظفرك»..!
نخشى أن يتحول أهل البحرين الحقيقيون إلى أقلية من بعد كل ما حدث ويحدث على الساحة، فقد تغير وجه مدن وقرى ومناطق، لم نعد نشاهد أهلها، وصرنا نشاهد المتشبهين بأهلها وصار أهلها أغراباً في دارهم.
كل ذلك تزامن أيضاً بالاستيلاء على أسواق بعينها، وعلى مهن، وعلى خطوط التجارة المختلفة، ولهذا أيضاً مؤشر خطير لا تراه الدولة اليوم، ولا تراقبه، ولا تضع له الحلول، وهذا يحدث في مناطق عريقة، بينما الجميع يتفرج.
التجنيس حدث بحقب متوالية منذ العشرينات، وهو يتواصل ويحدث، ولم نكتفِ بذلك، فقد قمنا بإعادة خناجر الخاصرة، لنزرعها في الوطن مجدداً من بعد ما تم نزعها وإعادتها إلى مكانها الأصلي.
التبشير بالوصول إلى مليوني نسمة في العام 2027 ليس بشارة طيبة، فأول سؤال يطرحه أهل البحرين هو؛ من هم المليونان..؟
وكم من الميزانيات يحتاجون للخدمات «إسكان، وصحة، وتعليم، وكهرباء وماء، ومجاري وطرقات، ووظائف وأعمال، وهامش بطالة»، هذه الصورة التي يجب أن تشاهد قبل أن نبشر بأننا سنصبح مليوني نسمة في العام 2027، بينما علينا أن نرى البحرين التي نريدها في المستقبل بعيون بحرينية، وبقلب بحريني، وبضمير بحريني..!
** رذاذ
نبني مدناً إسكانية لتستوعب كل التأخير في معالجة مشكلة الإسكان لسنوات طوال، ونضخ الملايين لإنشاء مشاريع الإسكان ومدن الإسكان.
غير أن تخصيص ملايين للإسكان ليس هو الحل فقط، بيوت الإسكان تحتاج إلى مجاري، وتحتاج إلى خدمات، وإلى طرق ومراكز صحية ومستشفيات، ومراكز شرطة، ومرور، ومراكز مطافئ للحريق، وأسواق، وكهرباء وماء، وخدمات بلدية، وهذا يعني أننا نحتاج إلى ضخ ملايين الدنانير في كل تلك الجهات لإنجاز مدن الإسكان.
بيوت الإسكان ليست «طابوق» و«إسمنت» فقط..!!
** تتحدث بعض المعلومات عن وجود احتكار من بعض تجار الدواء من بعد تطبيق التعرفة الجديدة، هذا الأمر يحتاج إلى تحقيق واسع، وإن ثبت أن هذا الأمر صحيح، خاصة أن هذا الاحتكار يستهدف أنواعاً بعينها من الدواء، فإن على الجهات المسؤولة كل حسب اختصاصه أن تطبق القانون على من يحتكر الدواء.
أعود لأقول إن هذا الأمر يحتاج إلى تحقيق من جهات نزيهة.