دائماً ما أتوقف أمام من يملك الثقة التامة بما يعتقد، هذا الاعتقاد الذي يقود الإنسان إلى العوالم التي يريد، فما بالنا إذا كان هذا الإيمان راسخاً في القلب كرسوخ الجبال في الأرض؛ بل أكاد أقول أقوى من الجبال، لأن الإيمان من الممكن أن يحرك الجبال من أماكنها، كما تنزل الأمطار بقوة الدعاء والصلاة، وكما تشفي لمسة يد ضعيفة مرتجفة إنسان يمر على نصل الموت.
الإيمان طاقة هائلة، قادرة على اجتياح المعجزات وتذليل أكبر الصعاب وإنزال الرزق من السماء، كما تفعل الطيور حينما تحاصرها الثلوج، وكما تفعل قوة المرأة الضعيفة حين تشعر بالخطر على أطفالها.
قبل عدة أيام قرأت إحدى الحكايات التي حدثت في زمن النبي العظيم محمد بن عبدالله، في الواقع أنني قرأتها أكثر من مرة، وسأنقلها لكم لأنها معبرة عن قوة الإيمان الهائلة التي يملكها الإنسان العادي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، أو كما نسميه الإنسان الفطري.
تقول الحكاية.. إنه بينما النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف إذا سمع أعرابياً يقول: يا كريم.
فقال النبي خلفه: يا كريم.
فمضى الأعرابي إلى جهة الميزاب وقال: يا كريم.
فقال النبي خلفه: يا كريم.
فالتفت الأعرابي إلى النبي وقال: يا صبيح الوجه، يا رشيق القد، أتهزأ بي لكوني أعرابياً؟ والله لولا صباحة وجهك ورشاقة قدك لشكوتك إلى حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتبسم النبي وقال: أما تعرف نبيك يا أخا العرب؟
قال الأعرابي: لا
قال النبي: فما إيمانك به؟
قال: آمنت بنبوته ولم أره وصدقت برسالته ولم ألقه.
قال النبي: يا أعرابي؛ اعلم أني نبيك في الدنيا وشفيعك في الآخرة.
فأقبل الأعرابي يقبل يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي: يا أخا العرب، لا تفعل بي كما تفعل الأعاجم بملوكها، فإن الله سبحانه وتعالى بعثني لا متكبراً ولا متجبراً، بل بعثني بالحق بشيراً ونذيراً.
فهبط جبريل على النبي وقال له: يا محمد.. إن الله يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك : قل للأعرابي لا يغرنه حلمنا ولا كرمنا، فغداً نحاسبه على القليل والكثير، والفتيل والقطمير.
فقال الأعرابي: أو يحاسبني ربي يا رسول الله؟
قال: نعم يحاسبك إن شاء.
فقال الأعرابي: وعزته وجلاله إن حاسبني لأحاسبنه.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى ماذا تحاسب ربك يا أخا العرب؟
قال الأعرابي: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فبكى النبي حتى ابتلت لحيته، فهبط جبريل على النبي، وقال: يا محمد.. إن الله يقرئك السلام، ويقول لك قلل من بكائك فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم، وقل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك في الجنة.
إن ثقة الأعرابي بقوة إيمانه جعلته يقف أمام النبي ويقول: إن حاسبني ربي على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على معصيتي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، وبقول الله عز وجل لرسوله عن هذا المؤمن الحقيقي قل لأخيك الأعرابي لا يحاسبنا ولا نحاسبه فإنه رفيقك في الجنة.
إن من يملك مثل قوة الإيمان هذه لا يمكن أن تزعزع إيمانه كل قوى الظلام ومن لف لفها، وكل الشياطين ومن تبعها.
أيها الأعرابي وأنت في سماء الله لك من أحفادك السلام وللنبي الذي علمنا السلام كل صلواتنا من ولادتنا حتى نلتقيه.