إليكم بعض سيناريو الأحداث التي تمت قبل وأثناء إعلان الجمعيات الانقلابية والتي تجلس على طاولة واحدة وتنكشف صورتها الطائفية في وجوه ممثليها أمام الجميع، هذا السيناريو مضحك قليلاً، لكنه حدث، وتم الاتفاق عليه سلفاً بين الأطراف المعنية.
قبل أن تعلن الجمعية الطائفية الانقلابية مقاطعتها للانتخابات بشكل رسمي، أوعز بعض قياديي جمعيات الأقزام -التي من غير جمهور- لكي تقوم هي أولاً بالإعلان عن موقفها، بمعنى أن تقوم هذه الجمعيات وتعلن أنها ستقاطع الانتخابات قبل الإعلان الرسمي للوفاق.
كل ذلك جاء بسبب ضغط الصحافة على الوفاق وجمعيات الأقزام من أنها جمعيات تابعة، وجمعيات (ظاهرها علماني وباطنها أنها تسير خلف عمامة علي سلمان وهذا يعني أنها تسلك الطريق الطائفي) فجاءت الفكرة هكذا من قياديي جمعيات الأقزام أنهم يطلبون من الوفاق أن تسمح لهم بأن يعلنوا موقفهم قبل الإعلان الرسمي، حتى لا يقال إنهم (تبع) الوفاق..!
هذا السيناريو تم وحدث في أروقة تلك الجمعيات، وكما أسلفت فإنه سيناريو مضحك تماماً، يظن من فعله أن هذا الأمر لن ينكشف للناس.
أيضاً وقبل إعلان الوفاق موقفها رسمياً حدثت اختلافات كثيرة بين من يريدون المشاركة ومن يريدون المقاطعة، وثبت ذلك في تصريحات خليل مرزوق حين قال: «إن أي من كوادرنا سيشارك في الانتخابات منفرداً ستطبق عليه ما لديهم من لوائح داخلية»، وهذا يثبت أن هناك اختلافات كثيرة، وإلا لقال إننا جميعاً متفقون على المقاطعة..!
أما الأمر المضحك الآخر فهو ما قام به ما يسمى «بشورى الوفاق» من التصديق على قرار الوفاق بمقاطعة الانتخابات (والله إنكم تجعلون أنفسكم في مواقف مضحكة) تصدرون قرار المقاطعة وتصدقون عليه بأنفسكم..!
وتريدون أن توهموا الآخرين أن لديكم ديمقراطية داخلية، بينما يجثم على أنفاسكم دكتاتور واحد يقود قرارات الوفاق منذ تأسيسها، ولا يجرؤ أحد حتى للترشح أمامه في «انتخاباتكم الصورية» حتى من تتهكمون على انتخاباتهم في الدول العربية قبل الثورات، فإنهم على الأقل يخرجون منافساً (ارقوزاً) ينافس الرئيس في الانتخابات، وأعتقد أن (الأرقوزات) فكرة جيدة للانتخابات القادمة للوفاق «نقص على نفسنا مثل ما يفعل شورى الوفاق حين يصدق على قرارات الوفاق»..!
صورة أخرى لما ظهرت ما يحدث خلف الكواليس، وكانت في إيعاز الأمريكان للوفاق بالمشاركة، غير أن الجناح المتشدد في الجمعية قال: «إن شاركنا سنحترق أمام الناس، نحن لا نستطيع المشاركة حتى وإن كانت لدينا قناعة بها».
وهذا يظهر أن هناك ازدواجية كبيرة تعاني منها الوفاق، وهي أنهم في داخلهم يعرفون أن قرار المقاطعة خاطئ تماماً ومكلف جداً وخطيرعلى مستقبلهم، وسيجعلهم يتقهقرون أكثر، لكنهم يخافون أن يحترقوا أكثر أمام الناس.
فحين يتحدث علي سلمان ويقول إننا حين نذهب إلى بيوت القتلى فإنهم يقولون لنا اثبتوا على موقفكم، فإن هذا الكلام هو كلام عاطفي بحت، لا يجب أن ينطق به سياسي مر بتجارب كثيرة، وإلا فإن أي حرب في العالم لن تنتهي أبداً لان هناك دماء، وهذا يظهر سطحية القرارات داخل الوفاق، والعقول الصغيرة التي تقود القرارات هناك.
من هنا فإن ما ذكره مجيد العلوي في تغريداته «موقناً لكم الحلل بتخبط في بعض» التي انتقد فيها قرار المقاطعة كان كلاماً واقعياً (اختلفنا أو تفقنا مع القائل) وأنا أتعامل مع الأفكار والرؤى بعيداً عن من الذي أطلقه، فما قاله كان كلاماً واقعياً وحقيقياً.
وكنت قد أشرت إلى ذلك في مقالات سابقة، وقلت ماذا ستفعل الوفاق خلال أربعة أعوام حين تقاطع؟
ما هو منهجهم واستراتيجيتهم، هل سيتحولون إلى ظاهرة «بيانات» و«مسيرات في شوارع» في قرى بعينها لا يعلم عنها أحد ولا تحرك ساكناً، تخرجون الناس في مسيرة رياضية للمشي؟
قلت ذلك في أعمدة سابقة، وقاله مجيد العلوي بطريقة أخرى حيث قال: «إن قرار المقاطعة أسهل من المشاركة، لكن كلفته على الجميع ستكون عالية، معتبراً أن القرار إنما هو سوء تقدير أسباب المقاطعة، واصفاً الوفاق بمن يخلط ما بين ما يجب أن تكون، وما يمكن ان تكون عليه الحياة السياسية، وأضاف أن استدعاء التضحيات يعيق الفكر (تصريحات علي سلمان حول القتلى) وإن تهميش كتلة كبيرة من المواطنين يعمق الأزمة مطالباً الوفاق بوزن المواقف بميزان «الربح والخسارة»..!
من هنا يتضح أن هناك ضحالة وتسطيحاً في فكر الوفاق وبقية الأقزام، وأن قرار المقاطعة اتخذ لإرضاء الشارع، فأصبح الشارع بكل ما تحمله الكلمة من معني (شارع) يقود قرارات الوفاق، ويقود فكر من يحسبون أنهم سياسيون في جمعيات سياسية، كان ينتظر منهم قيادة الشارع لقرارات بعيدة النظر.
كان السؤال الأكبر حتى من داخل الشارع الوفاقي هو: ما هو البديل حين نقاطع أربعة أعوام؟
ما هي كلفة المقاطعة على شارع كبير سيصبح مهمشاً من المكاسب في التشريع وفي الخدمات؟
ما هي الرؤية بعد أربعة أعوام إن لم تتغير المعطيات الحالية؟
هل سنبقى مقاطعين أبد الدهر وعجلة الزمن تتحرك، وعامل الوقت في كل هذه الظروف الإقليمية يصبح مكلفا جداً.
هذه الأسئلة هي التي لا تستطيع الوفاق الإجابة عليها بينما هناك من لديهم فكر حقيقي داخل شارع الوفاق من تبنى هذا الطرح العقلاني، ماذا ستفعل في أربعة أعوام قادمة؟
هل ستأتي الوفاق في نهاية الأعوام الأربع القادمة لتكرر موقفها في 2006 حين اعترفوا بخطأ المقاطعة في 2002؟
وإن كان كذلك فإن مثل هذا الفكر إنما هو فكر صغير وضحل ولا يستطيع أن يواجه التحديات والشارع، أن يقول للناس إن الذي هو ممكن أمامنا اليوم هو الدخول والتغيير من الداخل.
في المحصلة فإن أهل البحرين يقولون اليوم من بعد قرار الوفاق والأقزام بالمقاطعة: الحمد لله.. أن الله قد أعمى بصيرتهم مجدداً، واتخذوا مواقف خاطئة ومكلفة على أنفسهم، الحمد لله فقد أعمى الله بصيرتهم في 2011، وبعد ذلك في مواقف كثيرة منها الانسحاب من الحوارين السابقين، كل ذلك إنما هو توفيق من عند الواحد الأحد الذي أعمى بصرهم وبصيرتهم عن القرارات الصحيحة، وجعلهم يرجمون بعضهم بعضاً من بعد أن كانوا يقفون صفاً واحداً، أو هكذا كانوا يوهمون الناس.