هذا هو التعبير البليغ الذي استخدمه سامي النصف، وزير الإعلام والمواصلات الكويتي الأسبق، ولخص به كلمته التي ألقاها في افتتاح المنتدى الخليجي الثاني للإعلام السياسي الذي نظمه معهد البحرين للتنمية السياسية الخميس الماضي في المنامة تحت عنوان «الإعلام وثقافة الاختلاف»، ولعله التعبير الأبرز بين كل التعابير التي استخدمها المشاركون في هذا المؤتمر المهم وأبلوا فيه بلاء حسناً.
في كلمته التي استحوذ بها على اهتمام الحضور الذي فاق الخمسمائة نبه سامي النصف إلى العديد من الظواهر في مسألة ثقافة الاختلاف قبل أن يدعو إلى التوقف عن اعتبار الآخر شيطاناً لأننا لسنا ملائكة، ذلك أن اعتبار الآخر شيطاناً يعني أننا أغلقنا الباب في وجه كل حوار بيننا وبينه، وشيطنة الآخر تعني أننا نرفضه لعلمنا أنه الأقوى وأننا نخشى أن يغوينا، لكننا في كل الأحوال لسنا ملائكة لينحاز إلينا الآخرون ويأخذوا بما نقول وينفتحوا علينا.
هذا تشريح مهم لواقع صعب نزيده صعوبة برفضنا للآخر وعدم الاستفادة من المساحة المشتركة التي يمكن أن تجمعنا، فطالما أننا اعتبرناه شيطاناً فهذا يعني أننا لن نسمع إلا صوتنا؛ وصوتنا فقط.
أدبيات المؤتمر ركزت على مجموعة من الحقائق؛ أولها أن «الإعلام أصبح لاعباً محورياً مؤثراً في تشكيل وعي الشعوب وتوجهاتهم وصار أداة فعالة للتواصل والحوار بين الثقافات والحضارات المختلفة»، وثانيها أنه «في ظل واقع التعددية والتنوع تبرز الاختلافات في وجهات النظر والرؤى والأفكار تجاه العديد من القضايا بين المجتمعات وبعضها البعض وداخل المجتمع الواحد باعتبارها ظاهرة صحية تشير إلى حيوية المجتمع وتحضره، ولكنها في الوقت ذاته تتطلب التعامل معها وإدارتها بعقلانية ومرونة وفكر منفتح». فإذا اعتبرنا الآخر شيطاناً وأغلقنا الباب في وجهه وأزلنا المساحة المشتركة بيننا وبينه فلن نتمكن من احتواء الاختلافات في وجهات النظر وهي طبيعية وتسببنا في تأجيج الصراع وفي إحداث أزمة ما كان ينبغي أن تحدث أبداً لو أننا لم نختر هذا الطريق.
شيطنة الآخر يعني إلغاءه ويعني قطع كل سبل التواصل معه ومعاداته، أما إذا أقدم هذا الآخر على شيطنتنا أي اعتبارنا شيطاناً مثلما أننا اعتبرناه شيطاناً فهذا يعني أنه لا يمكن لأي أداة أن تكون فاعلة أو ذات قيمة، فنحن باعتباره كذلك أغلقنا الباب في وجه كل أداة توصل بيننا وبينه، وهو باعتبارنا كذلك أغلق الباب في وجه كل أداة توصل بينه وبيننا.
المؤسف أن بعضنا وصل إلى هذه الحال وهو ما يشكل خطورة على ثقافة الاختلاف والتعددية التي ينبغي أن تشيع في مجتمعاتنا وتصير من ثوابتها لأننا من دونها لا نجد في المشهد إلا نحن، فطالما أننا رفضنا الآخر وشيطناه لذا لن يبقى في المشهد إلا نحن وسنظل فيه وحيدين، لا نرى فيه إلا أنفسنا ولا نسمع فيه إلا صوتنا.
علينا كمتعلمين ومثقفين ومواطنين تهمنا مصلحة وطننا ألا نقبل بمثل هذا الوضع، فإلغاء الآخر بدل التكامل معه جربناه وتبين لنا أنه أسلوب مدمر ويتسبب في تخريب مجتمعنا وإبعادنا عن درب الحضارة.
لا يمكن أن يكون الآخر فارغاً من كل شيء، ولا يمكن أن يكون عديم القيمة، لذا لا بد أن نتعامل معه معاملة مختلفة فنسلك السبيل التي تدلنا على اكتشاف المساحة المشتركة بيننا وما نتكامل فيه معه ثم نستغل كل أداة إعلامية، جديدة أو قديمة، في تقريب وجهات النظر وحل المشكلات القائمة.
شيطنة الآخر أسلوب خطير، علينا جميعاً أن نبتعد عنه، فعدا أننا لسنا ملائكة كذلك فإن الآخر ليس شيطاناً، وكما أننا نمتلك جزءاً من الحقيقة فإن الآخر يمتلك جزءاً منها أيضاً.