إن كان هناك من نجاح اليوم وسط كل هذه المخاضات التي نمر بها، فإن النجاح أحسبه للدولة التي جعلت البعض «يلف حول نفسه» وجعلت من يقفون في صف واحد «أو أنهم يوهمون الناس أنهم يقفون في صف واحد»، جعلتهم يتراشقون بعضهم ببعض.
فما حصل عليه مجيد العلوي من تعليقات وردود علي تغريداته يجعلنا نطرح سؤالاً: من الذي فعل بمجيد العلوي ذلك؟ وجعله يتكلم ويدعم الوثيقة والدخول في الانتخابات، وجعله تحت مرمى الحجارة؟
إنها السياسة، جعلت هؤلاء يضربون هؤلاء، وهذا فيه من النجاح ما فيه، ناهيك عن حالة التقاذف بين من وقعوا على الوثيقة، وبين والآخرين.
ممارسة شق الصفوف كنا نتمنى أن تمارسها الدولة بذكاء وبدهاء منذ التسعينيات، وأحسب أن هذا الأمر حدث، وسيحدث أكثر منه في القادم من الأيام، سواء شاركوا أم قاطعوا.
فالوفاق والصغار بين نارين عظيمتين، «المقاطعة»، و«المشاركة» كلتاهما نار عليها، فإن شاركت سوف يأتيها شيء لا تتوقعه من أهل القرى، وإن لم تشارك ستبقى معزولة عن الواقع، ودون دور حقيقي ولا تأثير ولا مكاسب، وستأتي عليها أربع سنين عجاف أخرى، بينما لا يستطيعون أن يعصوا أمراً للعم سام الذي قال لهم شاركوا..!!
هاتان هما الناران اللتان تكتوي بهما الوفاق، لكن المؤكد أن ما فعله سمو ولي العهد من إجراءات ولقاءات كانت خطوات ذكية ومحسوبة، وتوقيتها ذكي، فلم نكن نعرف ذلك في ساعة بداية اللقاءات، لكننا عرفنا أن تلك الخطوات غاية في الذكاء بعد مرور أيام، ومن بعد حالة التراشق والتقاذف بين أصحاب التيار الواحد.
جزء مما سبق أيضاً نشاهده في الحملة ضد الدكتور علي فخرو كونه أول من وقع على الوثيقة وكان اسمه في الترتيب الأول، وليس هذا وحسب، بل إن موقفه تغير 180 درجة، عما كان يقوله حين كان يصعد منصة الدوار في نشوة الجمهور والربيع العربي.
تغير المواقف هذه من أناس كانوا يقفون مع الوفاق، أصاب الوفاق بحالة من الجنون والهستيريا، زاد الفتق على الراتق، كل شيء من حولهم فشل، رحلة المرزوق لأمريكا، مجلس حقوق الإنسان الذي لم يعرهم اهتماماً، الظروف الإقليمية، الحرب على الإرهاب، مؤتمر الإرهاب في البحرين، كل هذا المشهد يصيبهم بحالة من الفشل والهستيريا.
مع كل اختلافاتنا مع الدكتور علي فخرو، فأول اختلافاتنا معه هو أنه كان من المسبحين بحمد الدولة حين كان وزيراً، بينما كان «أمن الدولة» مطبقاً في حينها، ولم تكن هناك ممارسات ديمقراطية، وحين جاء العهد الإصلاحي، ومن بعد أن تقاعد عن منصبه الرسمي، أصبح معارضاً يصطف مع قوى طائفية..!
هذه مفارقة لا يتقبلها عقل الإنسان، لكن ليس هذا موضوعنا، إنما ما طرحه فخرو وسبب حالة الهجوم عليه هو انه طرح مقولة جيدة، لم ترق للوفاق وأتباعها من الجمعيات الصغيرة، فقد طرح فكرة «نقل الصراع من الشارع إلى البرلمان»..!
ورغم الاختلافات مع الدكتور علي فخرو، إلا أن المقياس يبقى في الفكرة والمنطق والتعامل مع الأفكار لا الأشخاص، وليس من الذي طرح الفكرة، فما طرحه كان فكرة صحيحة، وهي مخرج للأمام من الوضع الراهن، وهي ارتقاء في العمل من حرق البلد، إلى بناء البلد وفي ذلك مصلحة للجميع، فالإنسان يريد أن يعيش، ويريد الأمن والأمان والاستقرار، ويريد التنمية وأن يرتفع دخله وأن يجد وظائف نوعية ترتقي بأبناء المجتمع.
جميع الديمقراطيات يحتدم فيها الصراع داخل البرلمان، وليس في الشارع، ففي الشارع تكون محكوماً بلغة الشارع، وظروف الشارع، وفلتان الشارع.
غرور الكبرياء في المواقف سيدمر الوفاق أكثر، الوضع الحالي يحتاج إلى قراءة عقلاء وحكماء، والفرص هي تفوت، فإن ذلك يعني فقدان سنوات من التجربة كان يمكن استغلالها للبناء على ما تحقق.
مع إجراء كل التعديلات التي أتمها حوار التوافق الوطني، والتي ستتم مع تعديلات الدوائر، فإن هذه النقلة في تجربة قصيرة تعتبر ممتازة، حتى العم سام ربما قال لكم هذا.
نقل الصراع من الشارع إلى البرلمان أغضب الوفاق، فهل تريد الوفاق أن يكون الصراع بالشارع؟
تتنصل الوفاق من الإرهاب، غير أن حالات الحرق والإرهاب في تصاعد هذه الأيام وفي تناغم مع موقف الوفاق، فهل هذا صدفة، أم أنه يعني أن الوفاق كلما أرادت أمراً صعدت بالشارع ظناً منها أن هذا الإرهاب يضغط على القرار السياسي وسيأتي بنتائج.
غير أن السؤال هنا أيضاً، إذا ما تطورت الأمور باتجاه موقف معين للوفاق، هل سيزداد الإرهاب في الشارع بالضبط كما كان يحدث قبل وأثناء الحوار الوطني؟
وهذا يدل على شراكة الوفاق والإرهاب وأنهما صنوان.
تحدثت مع أحد المطلعين على الأمور، وحين سألته عن التواصل الجاري بين الوفاق والجهات الرسمية الأخرى، قال نعم، حدث ويحدث، وإن مسؤولي الوفاق في ذات يوم المسيرة أجروا اتصالاتهم يريدون حلولاً تحفظ ماء وجههم «إن كان في وجههم ذرة ماء»..!
سألت بدوري الأخ المطلع، هل ستعطي الدولة تنازلات أو ستقدم للوفاق شيئاً غير الوثيقة التي تم التوقيع عليها من قبل الوجهاء والأعيان؟
قال: الذي أعرفه أن لا شيء سيقدم، وأن الوفاق تريد المشاركة بأية طريقة، لا عليكم مما يقولونه، هم يردون المشاركة بأي ثمن، ويدركون تماماً ما تعني المقاطعة.
سألت عن التعيينات الوزارية: قال لا أعلم شيئاً عن هذا الأمر، لكن من الواضح أن هناك موقفاً ثابتاً للدولة، ولا أستطيع أن أجزم بأمر لا أعرفه.
موقف الدولة الثابت خلال الفترة الأخيرة كان موقفاً ممتازاً، كما أن هناك ذكاء وحكمة ووحدة رأي بين قادة البلد، وهذا أمر جعل أهل البحرين يشعرون باطمئنان أكثر.
سياسة العصا والجزرة التي قامت بها الدولة في مسيرة 4 أعوام «رغم أننا في مراحل كثيرة كنا مستاءين من إجراءات ومواقف» إلا أن هذه السياسة الداخلية التي انتهجتها الدولة، والجهود الخارجية الكبيرة لقادة البلاد جعلت الوفاق في حالة من الضياع والفشل والهزيمة لم يسبق لها مثيل منذ أن تم تأسيس الوفاق كجمعية.
النار ستحرق الوفاق، شاركت أم لم تشارك، الشواهد تقول ذلك، بينما هم ينازعون الرمق الأخير قبل إعلان المشاركة وفشل كل ملفاتهم البائسة، من بعد أن كانوا يريدون دستوراً تأسيسياً في نشوة الدوار والأجواء الباردة في فبراير 2011..!
** شمطوط وصنقيمه..!!
ما يقوله «الناشطان» شمطوط وصنقيمه من كلام جعلهما يلفتان الانتباه كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي، بل وإن الناس تتناقل كلامهم الساخر بشكل لافت.
شمطوط يقول كلاماً في البرلمان لا يستطيع غيره أن يقوله، وجعله يتكلم بلسان الحال أحياناً فصار هو العلامة الفارقة في برلمان ضعيف.
أما صنقيمة، فقد جاءت رسائله أيضاً معبرة عن هموم الناس واحتياجاتهم، أصبح هو أيضاً علامة فارقة في الحديث عن معاناة أهل البحرين، وهذا نجاح وذكاء من صنقيمة فأخذ الناس يتناقلون كلامه.. «فك الحزام شوي..»!.. شكله صنقيمه يقصد حزام السلامة..!
بروز شمطوط وصنقيمه في هذا التوقيت «يعكس حال البلد»..!!