ما يتوارد حالياً بشأن وجود خلافات داخلية وصراعات في الوفاق أمر ليس بجديد، وإن بدأ يظهر على السطح ويبرز بين عموم الناس، فمن يدير الوفاق «بكبره أساساً» يعاني من ازدواجية وحالة صراع داخلية مع نفسه، فالمشهد الوفاقي الحاصل منذ 2011 يصنف على أنه ظاهرة التقية السياسية التي يدركها حتى ديكتاتور الوفاق الذي يربض على رئاستها منذ سنوات.
فظاهرة سمعاً وطاعة المتفشية بين عناصر الوفاق أمام الرأي العام لا تعني أن هناك عناصر من داخل الوفاق تكابر عن الاعتراف بأن الربان الذي يقود سفينتهم يخطىء كثيراً ولا يعرف كيف يحسبها صح في كثير من الأمور، بل إنه «وهقهم» وأحرجهم في كثير من المحطات، فغدا مثل الطفل الذي لا يعرف ما يريد ويتقلب على ظهره وبطنه، وبدأت صورته في إدارة الأمور تهتز، وهناك حالة من المكابرة بفقدان الثقة بقراراته وتعرٍّ واضح يكشف عدم إلمامه بأبسط مقومات الحنكة السياسية، وكل هذا الكلام مأخوذ خيره؛ فالوفاق أدرى بنفسها وما يحصل بداخلها، لكن الأهم هي تساؤلات نوجهها للقائمين على حملة «البحرين تقاطع».
أولاً؛ تزعمون أمام العالم أن إرهابكم يأتي لأجل شماعة الديمقراطية والمزيد من الإصلاحات والحرية، فيما أنتم تصادرون حرية أي شخص لتدرجوه في قائمة المنبوذين، بل وتهددونه بالفصل من جمعيتكم الانقلابية في حال مخالفته لقراركم الذي تزعمون أنه يأتي من شورى الوفاق، فأين الديمقراطية؟ ولم لا تتركون من قرر مصيره في موضوع الترشح للانتخابات يمارس حقه كمواطن قبل أن يكون عضواً يتبع إدارتكم الديكتاتورية؟ لماذا الفصل من جمعيتكم؟ وإن كان عذركم القوانين؛ فمن وضع هذا القانون الذي «بكبره» يصادر حقوق الآخرين؟ «قلبتوا الدنيا» يوم فصلت الحكومة من قام بالإرهاب والتخريب في مؤسسات الدولة وتجاوز القانون وأخلاقيات المهنة، واعتبرتم القانون جائراً، فصار حراماً على الحكومة وضع قوانين تحمي الناس من إجرامكم وحللتم لأنفسكم وضع قوانين تفتقر إلى حرية الأشخاص.
بالمناسبة، بعد الإخفاق الكبير للوفاق وأذنابها عام 2011 قام علي سلمان بفصل مؤسس مشروع القنابل في البحرين، الإرهابي يوسف الحوري، الذي كان يرأس الجناح العسكري لمخطط الانقلاب، وعناصر الوفاق تعلم جيداً كواليس «الهوشة اللي صارت بينه وبين علي سلمان» والذي انفرد بقرار فصله بعد فشل الحوري، وكيف انتهى الموضوع بانشقاق الحوري وإدارته لخلية إرهابية خارج البحرين لا ترى حلاً غير إسقاط الحكم ومحاكمة رموزه.
ثانياً؛ إن كان عذركم الترقيعي بدعوة الناس للمقاطعة يأتي كون مجلس النواب شكلياً وبلا صلاحيات، فدعونا نفند هذا الادعاء باستعراض التجربة البرلمانية في البحرين؛ ففي عام 2002 لم تشاركوا وقاطعتم ثم عدتم للمشاركة في عام 2006، وربما يكون عذر المشاركة هنا «التجربة ومعايشة العمل البرلماني عن قرب لمعرفة جدواه من عدمها»، فإن كان المجلس بلا صلاحيات وشكلياً -كما تزعمون- فلماذا عدتم للمشاركة في انتخابات 2010؟ قد تغفر لكم جماهيركم المشاركة في 2006 من باب التجربة، لكن انتخابات 2010 خير دليل على أنكم مثل الشخص الذي يكابر ويضع الأعذار عندما يريد أن يبحث عن أي عذر للتبرير، وكما يقول المثل «ما تعرف ترقص قالت الأرض عويه»، فأنتم بصدق لا تعرفون فنون الرقص السياسي وتتهمون الساحة الديمقراطية في البحرين بأنها عوجاء الصلاحيات، ألا يعد هذا دليلاً قوياً على أن هدفكم هو تغيير نظام الحكم لا إصلاحه وأن مطالبكم تأتي لأجل إسقاطه؟ بديهياً من يرى المجلس مجرد مجلس شكلي وبلا صلاحيات لماذا يعود للمشاركة في انتخابات 2010، بل ويدس عناصر من الباطن في الانتخابات التكميلية رغم الادعاء أنكم مقاطعون وانسحبتم انسحاباً نهائياً؟
كما أن عذر «المقاطعة من أجل الشارع» التي تنعقون به ليل نهار وتزعمون أنه يأتي لأجل الشهداء وحرية المعتقلين وتنفيذ المطالب والحقوق، إن كان هذا أحد أسباب المقاطعة فلماذا أنتم «مستذبحين ليل نهار» على إصدار التصريحات التي تأتي وكأنها تصريحات تذكيرية وتنبيهات مستمرة لشارعكم بأنكم اخترتم المقاطعة؟
ألا تقولون إن المقاطعة من أجل تنفيذ توجه الشارع؟ فلم نرى في الفعل الآية مقلوبة وأنتم من تحاولون توجيه الشارع وحثه على الانصياع لقراركم بالمقاطعة؟ لم التناقض وتدشين حملة «البحرين تقاطع»؟ هل هذا يأتي لخوفكم من تعرية حجمكم أمام الرأي العام الذي تزعمون أمامه أنكم تمثلون الغالبية العظمى من الشعب والذي سيكشف أنه لا نفوذ سياسي كبيراً لكم، وأن الشارع الإرهابي الذي قمتم بتأسيسه بدأت محاولات التحكم فيه وإدارته تنفرط من يدكم وينقلب عليكم؟
الأدهى صدور تصريحات من حساب الوفاق الرسمي باسم الشارع «أهالي توبلي.. مهزلة الانتخابات تنطلق من سياسة فرعونية لا أريكم إلا ما أرى»، «أهالي مقابة.. ننحاز للمضحين ونقاطع انتخابات العار»، «أهالي سار.. ضد المشاركة بالانتخابات ولا يمثلنا أي بائع لضميره»، أين الديمقراطية فيما تكتبون؟ لماذا لا تجعلون الناس يختارون ما يشاؤون دون إملاءات؟ إن كان الشارع يضغط عليكم لعدم المشاركة فلماذا التوجيه باستمرار بأهمية المقاطعة، بل وتتكلمون باسم أهالي المناطق؟، إن كنتم ترون المجلس بلا صلاحيات فدعوا الناس من منطلق الديمقراطية والحرية يدركوا ذلك بأنفسهم دون إملاءات، ودعوهم يقرروا ما يريدون، ألا يعتبر ما تقومون به ديكتاتورية سياسية؟ لماذا تحاولون إجبار الناس في المناطق الخاضعة لإرهابكم على عدم التصويت، بل وإلى تصفير الصناديق؟ من المفترض أن يفعل الشارع ذلك من نفسه دون الاستمرار في تذكيره، أنتم تدركون أن شارعكم الإرهابي ما هو إلا جزء صغير من الشارع الكبير الذي تزعمون تمثيله وتجبرونه قسراً على عدم التصويت، بل وتهددونه.
والله إن ندوتكم السياسية «الانتخابات عبث ومهزلة» تأتي لتجسد حالة العبث والمهزلة التي تعيشونها والتناقض الكبير وحالة الإرباك الموجودة في صفوفكم، والأجدر أن تطلقوا عليها عنوان «الوفاق والانتخابات عبث ومهزلة حقاً!»، بالمناسبة بخصوص من سيقدم الندوة وهو خليل المرزوق؛ أليس هو نفسه من لم يطبق كلام عيسى قاسم الداعي إلى مقاطعة استلام تقاعد النواب حينما قال المرزوق في ندوة سياسية بالزنج عام 2009 «يستكثر البعض على النائب الحصول على راتب تقاعدي ويريد منه أن يعيش عيشة الفقراء حتى يثبت إخلاصه في عمله وأدائه»، حقاً يا للمفارقة فمن شارك في مجلس 2006 وتمسك بحقه في استلام تقاعد النواب يقدم اليوم ندوة عن المقاطعة،هل أخطأنا عندما قلنا إنكم عبيد للانتخابات وفلوس النواب وامتيازاتهم؟
ربما العنوان المناسب لحالة الوفاق اليوم أنهم «مستذبحين» على الانتخابات وما يأتي وراءها من مزايا دبلوماسية ومغانم مالية، ويبدو أنهم فقدوا بوصلة الاتزان في اللعب السياسي.