العديد من الناس يسأل.. كيف ما أقدمه وما أقوله وأفعله من خير يعود علي في حياتي، ورأيت أن أفضل جواب على هذا السؤال، هو ما جاء في جزء بعنوان «كيف يعود لك عملك» من كتاب «فلسفة من كتاب التأمل التجاوزي»، يقول صاحب الكتاب الحكيم مها ريشي «على سبيل المثال، يقول رجل كلمة. وبقول هذه الكلمة يُنتج الاهتزازات حوله. ومن ثم هذه تخرج الاهتزازات وترتطم بشجرة، وتنتج بعض التأثيرات هناك، وتعود إلى المتكلّم. كما تخرج الاهتزازات وترتطم بالجبل. لكي تعود الاهتزازات إلى المتكلّم من الجبل، تأخذ وقتاً أكثر. وترتطم بالقمر وفي عودتها تأخذ وقتاً أطول بكثير، هكذا وعلى نفس النمط، تصل إلى الشمس وتعود إلى الفاعل وسيستغرق وقتاً أكثر بكثير. هناك النجوم في السموات التي يستغرق ضوؤها ملايين السنين للوصول إلى الأرض. لذا، ولكي يصل تأثير الفعل إلى تلك النجوم البعيدة جداً في المجرات وللعودة إلى الفاعل سوف يستغرق ملايين السنين. هذا ما يظهر كيف تكون ردّة فعل العمل المنجز على الفاعل. ينتشر تأثيره في الكون كله، وبالمقابل، يتأثّر الفاعل بالعمل الذي أنجزه». وهنا لا بد من السؤال، كيف تصل ثمار العمل إلى الفاعل بعد آلاف أو ملايين السنين؟ إنّ حياة الإنسان هي فقط بضعة سنوات من الوقت، ربما مائة سنة. كيف يمكن لردّة الفعل المنتجة الجوّ أن تعود إلى الفاعل بعدما يكون قد ترك هذه الحياة؟ يرسل رجلٌ من مكان بعيد رسالة إلى والده وتصل إلى البيت، وإذا كان الوالد مقيماً في بلدة أخرى، عند وصول الرسالة إلى البيت، تحوّل إلى العنوان الجديد. إذا كان الوالد مسافراً إلى بلدة أخرى بعيدة، يُعاد تحويل الرسالة ثانية إليه. يتم تحويل الرسالة من مكان إلى آخر طالما يكون الأبّ قابل للتقصّي. إذا لم يعد الأبّ قابلاً للتقصّي، وإذا كان ابنه أو من هو ذو قربة معروف العنوان سوف ترسل الرسالة إلى الوريث. إن صلة الدمّ هي العنصر التي من خلالها تصل ردّة الفعل إلى الفاعل. قبل عدة أيام فقط التقيت بقصة واقعية تعبر خير تعبير عن موضوع كيف يعود عملك إليك، وسنرى أمامنا طبيعة سير هذا العمل وتحققه في حياتنا. رجل توفيت والدته قبل أن يتوظف «معلما».. وكانت أمه تعمل بالخياطة وتعطيه النقود وتمنعه من العمل وتحثه على إكمال الدراسة ففعل ما أرادت ووفقه الله وتوظف، وكانت نيته أن يعطي من راتبه لأمه ليسد بعض من خمائلها عليه، لكن شاء الله وتوفيت رحمها الله فحزن قلبه وبكى عليها كثيراً، ونذر لله تعالى أن يدفع ربع راتبه للفقراء ناوياً الأجر لأمه ويحلف بأنه من 30 سنة من وفاة أمه لم تفته سجدة إلا وقد دعا لهـا، ويتصدق بالماء ويحفر الآبار لها، ووضع في عدد من المساجد برادات للماء وقفاً لها، وفي يوم خرج للصلاة فرأى مجموعة من الرجال يضعون برادة ماء في مسجد حيهم! فضاق صدره وقال وضعت في الشرق والغرب ونسيت أن أضع برادة في مسجد حينا! وبينما هو يفكر وإذا بإمام المسجد يلحق بـه ويقول: يا أبو محمد جزاك الله خيراً على برادة الماء..! استغرب وقال: لا والله إنها ليست مني!! فقال الإمام: بلى إنها منك..! اليوم أحضرها ابنك وقال إنها منك! فإذا بابنه محمد يقبل، ويقبل يده ويقول: يا أبي إنها مني ونويت أجرها لك.. فتقبلها سقاك الله من أجرها بسلسبيل الجنة. فسأله أبو محمد: وكيف أحضرت ثمنها يا ولدي وأنت في الأول الثانوي ولا تعمل؟!! فقال له: من خمس سنوات أجمع مصروفي وعيدياتي وجميع ما أملك من نقود لأبرّك، كما بررت بجدتي رحمها الله وأضع لك وقفاً. سبحان الله ..! صدق من قال قديما: «البِّرُ دَيْن». وسيعود لك في أولادك.. والعقوق كذلك سيرجع لك يوماً. ربي ارزقني بر والدتي ووالدي.