هناك أمر هام يجب أن يعرفه أهل البحرين المحبين لوطنهم بعيداً عن لغة الإحباط، أو لغة عدم الثقة التي يبثها البعض، فما وصلنا إليه من موقف قوي، خاصة أن أتباع الجمعيات الانقلابية أخذوا يبثون رسائل كاذبة عبر التواصل الاجتماعي وفيها من أحلام اليقظة ما فيها، بينما قمنا نحن بتداولها ونشرها، وهذا يخدم هدف إظهار أنهم سيحصلون على ما يريدون.
الأمر الهام «حتى وإن تم تقديم بعض العروض هنا أو هناك» إلا أن الفشل الحقيقي أصاب الوفاق وأتباعها، انظروا أين كانت مطالبهم، وكيف أصبحوا اليوم يتوسلون أن يلتقوا مدير مكتب فلان أو علان، وأنهم يريدون مطالب تحفظ لهم ماء وجههم.
كانوا يريدون حكومة منتخبة، وكانوا.. وكانوا يضعون إملاءات، لكنها تبخرت اليوم، حتى إن عبد الجليل خليل من بعد أن كتبت عنه هنا أنه اختفى قالوا له اخرج وصرح، فصرح تصريحات أحلام الفتى الضائع، وطالب بإخراج المحكومين من السجون، الذين يسمونهم رموزاً..!
حتى مطلب عبد الجليل خليل هو مطلب سطحي، هدفه إخراج من في السجون، وإن خرجوا وهذا غير مطروح البتة، فهو مطلب لا يحقق شيئاً من التطلعات، أين المطالب في إخراج من هم في السجن من قائمة المطالب الكبيرة؟
أصبحتم تبيعون الوهم على الناس، ويبدو أن نبيل رجب تلقف ما نكتب هنا، وقال كلاماً واقعياً وهو: «على الجمعيات أن تعلن للناس موقفها الحقيقي من المشاركة أو المقاطعة، موقف الجمعيات غير واضح»..!
نعم هم لم يعلنوا موقفاً حقيقياً واضحاً، يريدون المشاركة ويخافون من شبح المقاطعة أربعة أعوام، يصبحون فيها خارج اللعبة، لكنهم يركبون «تعنت الوهم» ويطرحون مطالب خارج إطار الوثيقة الموقعة.
مع كل المواقف التي نختلف فيها مع نبيل رجب، إلا أنه أكثر مصداقية لدى شارع الوفاق من علي سلمان، أو أعضاء الوفاق، فهو لا يبحث عن كرسي برلمان «حتى الساعة» ولا عن رئاسة جمعية الوفاق بشكل ديكتاتوري، كما يفعل علي سلمان منذ 12 عاماً وحتى اليوم.
بالمناسبة لماذا لا يصبح علي سلمان «ديمقراطي» ويقدم استقالته من الوفاق بعد الهزيمة..؟
حين قال رجب إن الجمعيات لا تصارح الشارع بموقفها فهذا صحيح، مثل الذي يضع رجليه في بركة السباحة ويقول أنا لا أريد السباحة..!
على جمعية الوفاق وعلى بقية الجمعيات، أن يكونوا رجالاً ويقولون للناس موقفهم صراحة، المراوحة هذه تجعلكم صغاراً أمام الشارع، اللون الرمادي مزعج للشارع، بينما الاستحقاق يقترب، والمركب يمضي قدماً، بكم أو من دونكم.
أحد الإخوة وأحسب أن قلبه علي البحرين قال: «لا يوجد خاسر بين أهل البحرين» وهذا الكلام في عمومه طيب، لكن هل هذا الكلام واقعي، أم أنه عاطفي؟
سألت الأخ الذي قال «لا يوجد خاسر بين أهل البحرين»، فقلت له: «ماذا لو نجح انقلاب الدوار، من الخاسر ومن الرابح»..؟
إذن هناك في الواقع خاسر وهناك رابح، والرابح بإذن الله هو وطننا ومستقبلنا وأهلنا وشعبنا، لذلك على الخاسر أن يعترف أنه خسر، وراهن على إيران، وراهن على الأمريكان، ومن ثم خسر خسارة فادحة فهم أنفسهم يقولون إن هذه الخسارة ستعيدنا 50 عاماً إلى الوراء، إذاً هناك خاسر، وهناك مشروع فشل فشلاً ذريعاً.
وإذا كان كذلك، فالخاسر يذعن وينصاع، ويخضع لإرادة المنتصر، هكذا هي الحروب والسياسة، العواطف نتركها للبيت، والسياسة أمر آخر، كما إن الخاسر لا ينبغي أن يملي شروط، أو يفرض تسويات، أو يقول يجب ويجب، وعليكم أن تعطوني كذا وكذا حتى أدخل البرلمان.. «يا أخي لا تدخل، عمى البصيرة نعمة على أهل البحرين» بل عليه أن يستمع وينفذ، أو أن يكون خارج اللعبة..!
الخاسر يُملى عليه، ولا يملي..!
بالمقابل نقول للدولة، إن ما يحدث حولنا من أحداث «احتلال صنعاء، الذي يشبه احتلال بيروت في 2006، واحتلال المنامة في 2011» ومن قبله احتلال بغداد، كل هذا المشهد يتطلب عملاً وجهداً ورؤية واحدة، وأهدافاً، ومواجهة مشاريع الانقلاب بقوة وحزم وإرادة.
من خطط للانقلاب كان يعمل تحت السطح سنوات، ويظهر وجهاً مبتسماً للدولة فوق السطح، بينما الدولة تلعب على المكشوف، هي وبقية القوى بالمجتمع وللأسف هذه قوى نائمة ومنفصلة عن الواقع، من هنا فإن الموقف يجب أن يتغير، الاستراتيجيات، ينبغي أن تتغير، من يعمل تحت السطح، يواجه بمشروع أقوى منه تحت السطح وفوقه.
ارسموا الابتسامة فوق السطح، وكشروا عن الأنياب تحت السطح، مثلما يحاربك الآخر، عليك أن تحاربه، لا أن تقول له: «تعال نريد مشروعاً موحداً»..!
المشروع الموحد يعني زوالك تماماً وإلى الأبد.
أتفق مع من يقول يجب أن نتحدث عن مشروعنا في الوطن، لا مشروع الآخر «دخل أو خرج من الانتخابات» غير أني للأسف لم أجد مشروعاً أتحدث عنه، لا لدى قوى المجتمع، ولا لدى الدولة، الخطط جميعها آنية ووقتية، بينما نحتاج إلى استراتيجية مستقبل، ورؤية مجتمع ورؤية دولة، هذا هو الذي يدحر المشاريع الأخرى.
التهاون في فرض سياسات الدولة، وفي فرض القانون والنظام، في تطبيق الأحكام القضائية في القصاص على من قتل واستباح وأجرم، سيضيع البلد، ذلك أن الآخر لديه مشروع مستمر، والدولة تظن أن مع كل حوار سيتوقف الأمر ولن تحدث مشكلات، وتبحث عن مخرج لتطبيق القصاص مثلاً، هذا لا يظهر قوة الدولة إطلاقاً.
السؤال المرير الذي نوجهه للدولة، وطرحناه من قبل ونطرحه اليوم رغم أن الدولة اليوم في موقف قوي: إذا كانت الدولة اليوم في هذا التوقيت تقدم تنازلات «على سبيل المثل» فما هي التنازلات التي ستقدم بعد أربعة أعوام؟
أنا أطرح فرضيات تشغلنا كمواطنين.
ألم يسأل أحد ما هو هدفهم بعد أن تعطونهم ما يريدون اليوم؟
سؤال بسيط ويكاد يطرحه رجل الشارع، إذا كانت الدولة اليوم وهي منتصرة تتردد في المضي قدماً، فيكف لا قدر الله لو حدثت انتكاسات؟
أعلم أن موقف الدولة اليوم هو موقف قوي، وأعلم أن الآخر يعاني الأمرين من الهزائم ومن هجوم شارعهم عليهم، أعلم ذلك، وأدركه، لكن الحديث ليس عن الساعة، وعن اليوم، الحديث عن المستقبل، وعن مواجهة الإرهاب الذي تعايشت الدولة معه منذ أربعة أعوام، حتى زاد مؤخراً مع تعنت الوفاق كمحاولة ضغط وفاقية.
هناك أزمة حقيقية وهي أزمة رؤية للمستقبل، كلما انتهينا من مرحلة حاسمة ظننا أن الأمور استقرت، وهذا خطأ كبير، المشروع الانقلابي منذ الثمانينات وهو مستمر، ولن يتوقف، فماذا أعددنا للمستقبل؟ للقادم من الأيام لوطننا وشعبنا؟
أعود وأقول، لو نجح الانقلاب سيكون هناك واقع أمامنا وهو أن هناك منتصراً، وخاسراً، والحمد لله أن البحرين انتصرت، لكن على المنتصر أن يتأمل ويدرك ويتعلم من الدرس، لا أن يبقى مستلقياً على ظهره في نشوة الانتصار، حتى يأتيه انقلاب آخر ربما لا يستطيع تداركه بسبب تسارع الأحداث الإقليمية والمحلية، هذا هو الدرس..!
من هنا فإن السؤال الآخر هو: ما هو مشروع الدولة في مواجهة التطرف والإرهاب الذي سوف يضرب أكثر كلما اقترب موعد الانتخابات، وسيبقى بعد ذلك مستمراً إن قاطعت الوفاق؟
هل لدينا إرادة حقيقية لمواجهة الإرهاب بشكل حازم وقوي وبقرارات لا رجعة فيها؟
أم سنترك الإرهاب يحرق البلد ويعطل الحياة ويدمر الاقتصاد، حتى تقول لكم الوفاق لن يتوقف الإرهاب إذا لم تعطوني ما أريد، من بعدها نعود مرة أخرى ندور في فلك حوار جديد، ومبادرات جديدة «وكأنك يا بوزيد ما غزيت»..؟
هذه هي أسئلتي البسيطة وبتواضع شديد..!