عهدنا به منذ عام 2004 فيما عهوده مع البحرين قبل ذلك بكثير، لم نعرفه إلا شاداً الرحال إلى البحرين لخدمتها وخدمة أهلها أو عائداً منها، يقال الحب فطرة من الله وكانت البحرين حبه ووطن قلبه.
حمود شقير المطيري، شاب سعودي، لكنه بحريني أكثر من البحرينيين أنفسهم في إخلاصه ووطنيته، خلال الأزمة سخر كل جهوده وطاقته لأجل نصرتها مقابل البعض الذين تحمسوا في بداية الأزمة وتلاشى كل حماسهم واختفوا وعادوا للاندماج في حياتهم اليومية وإضاعة أوقاتهم في التسلية، فقد ظلت تحركاته وكتاباته مستمرة عن البحرين، كان محامي أهل البحرين، لذا فقد كان صلة الوصل بيننا وبينهم «بين الشباب الخليجي تحديداً» لتحريك جموعهم وتشجيعهم لدعم القضايا البحرينية وتعريفهم بها.
الحق يقال إن هذا الرجل استثنائي العطاء؛ فقد رأينا شباباً خليجيين كثراً يتضامنون مع البحرين، لكن لفترات وجيزة ثم يعودون إلى حياتهم الطبيعية وينشغلون، فيما حمود ولأكثر من عشر سنوات يعمل بشكل مستمر وشبه يومي، قبل وبعد الأزمة، ودون أن يتسرب الملل أو اليأس إلى قلبه، ودون أن تحول مشقة الطريق وازدحام الجسر وصوله للبحرين وخدمة أهلها.
تشهد له تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأنه كان مخلصاً للبحرين ولكافة القضايا العربية، فقد كان من أبرز الشباب الذين يتجهون إلى مخيمات سوريا وغزة للإغاثة، كان يقوم بجمع التبرعات ويوصلها بنفسه، كما كانت له مواقفه البارزة في مساندة قضية الأحواز والعراق وغيرها من القضايا العربية، فحمود -رحمه الله- في كل قضية عربية كان يحجز له مساحة عطاء، حتى في آخر تهنئة أرسلها بمناسبة عيد الفطر كانت القضايا العربية حاضرة في كلماته حين قال «كل عام وجرح الأمة الإسلامية بخير.. أردت أن أهنئ بفرحة العيد هنا فتذكرت مأساة أهلنا هناك في غزة وسوريا والعراق فخجلت! وأذكركم ونفسي لا تنسوا أهلنا الذين يدافعون عن كرامة الأمة من صالح دعائكم وصدقاتكم لنجعل أطفالهم يحسون بفرحة العيد التي نسوها منذ سنين»، هل أخطأ الإعلامي محمد العرب حين قال «إلى الشباب الذي ينشر المفاسد والتفاهات في حسابات التواصل الاجتماعي شاهدوا حسابات حمود المخصصة لقضايا الأمة»؟!
كان بطلاً من أبطال أزمة البحرين الذين يعملون بصمت ومن خلف الكواليس، كان يتطوع لأجل البحرين ودون مقابل وابتغاءً لوجه الله، رغم كل ما يكلفه عمله من مصاريف، يستأذن من عمله ويحاول الوصول لأي فعالية بالبحرين، خاصة تجمعات الفاتح، ودون أن يتناول حتى وجبة الغداء ليصل قبل الجميع ويظل يعمل لساعات حتى ينتهي ثم يتناول طعامه ويقفل راجعاً إلى السعودية، هكذا كان يفعل دائماً دون ملل أو كلل أو تفكير حتى بنفسه، لذا ليس مستغرباً حينما قال أحدهم: «لم أسمعه يوماً يتكلم عن شأن شخصي بل كانت كل أحاديثه عن قضايا الأمة العربية».
لا نعرف بماذا نصفه؛ فالألقاب التي يحملها كثيرة؛ فهو ناشط شبابي وإعلامي واجتماعي، وهو قبل كل هذا قلب عربي لا يتكرر، فكل تغريداته وصوره على «الإنستغرام» عن القضايا العربية ولا تواصل له مع الآخرين إلا في خير، بل نادراً ما قد يجد الإنسان له صوراً اجتماعية، فجميع صوره إما يجالس الأيتام في سوريا أو يتجول للقيام بأعمال الخير أو يدير حملات إفطار صائم. حمود -رحمه الله- في عطائه ومثابرته يقدم درساً بأنه ليس المهم تبني القضايا بقدر الاستمرار في دعمها، وللعلم أعماله الخيرة التي بينه وبين ربه أكثر من تلك الظاهرة والمعلومة، فقد كان يتخذ من الصمت رفيقاً في مساعيه، وآخر فترة من حياته لم نره إلا راحلاً إلى سوريا أو عائداً منها يشارك في حملات الإغاثة والدعم، فقد كان للخير رفيقاً وعنواناً.
صدقونا لا نبالغ لكم إن قلنا إنه كان يسير على خطى الداعية عبدالرحمن السميط، الرجل الذي سخر كل حياته ووقته لعمل الخير ونشر الإسلام، فحمود المطيري كان سفيراً للخير وأينما يكون يحاول نشر القضايا العربية وفي مقدمتها القضية البحرينية، لذا فرحيله ترك مساحة كبيرة جداً لا أعتقد أنه سيأتي من يملؤها بمثل حماسته واجتهاده، فهو نموذج للشباب الخليجي الفريد من نوعه الذي ترك الدنيا وزهد كل ما فيها وتفانى في خدمة الناس ودعم قضايا العرب، لذا ليس مستغرباً أن نجد الحزن قد خيم على أهالي سوريا وغزة والأحواز والعراق من بعده قبل أهل الخليج.
ما يميز حمود على المستوى الشخصي وجهه الذي تسكنه بسمة صفاء دائمة وبملامح تحمل سمات الطيبة والسماحة. عندما رأيته أول مرة صدمت عندما اكتشفت أنه جاء من السعودية لعمل مقابلة إعلامية معي ضمن تغطية انتخابات جامعة البحرين لوضعها في أحد المنتديات ومن ثم العودة مجدداً إلى بلده «طق درب فقط لأجل ذلك»، كان رحمه الله شديد الاحترام يغض النظر ويحرص ألا يتعامل مع البنات إلا في أضيق الحدود، ولم يحدث أن رأينا منه أو سمعنا إلا خيراً، لذا فحمود كان أول الاكتشافات بالنسبة لنا في 2004 وما تليها من سنين في تقديم صورة مشرقة عن شباب السعودية، وبأن منهم فئات جداً راقية وحريصة أكثر من شبابنا حتى في الالتزام بالأدب والاحترام، لذا نقول صحيح إننا لم نتعرف على أهله شخصياً لكننا عرفناهم وعرفنا أخلاقهم ومنبتهم الطيب من خلال حمود.
بل إننا نسينا في كثير من الأحيان أنه سعودي لكثرة مشاركاته في الفعاليات البحرينية، لا أذكر يوماً أننا احتجناه في خدمة ما وردنا أو اعتذر، بل إنه يبادر حتى قبل أن نكلمه، أذكر يوماً أنه نسق بين التزاماته في المواجب بالسعودية حتى يوجد وقتاً إضافياً للسفر إلينا لحضور فعالية كانت تخدم إحدى القضايا للبحرين.
قبل أشهر كنت أنوي تقديمه في إحدى المقالات كنموذج فريد للشباب الخليجي وقدوة من الواجب الاقتداء بها وإبرازها، فالصحافة البحرينية تعتبر مقصرة في إيفاء هذا الرجل -الذي لا يحب الأضواء ويبتعد عنها- حقه، إلا أن التأجيل كان يحول دون ذلك، إذ كنت أنوي مفاجأته ففاجأنا بخبر وفاته. لذا أقترح على المسؤولين إطلاق اسم حمود المطيري على أحد الشوارع في البحرين، فهو يمثل قدوة نادرة جداً في العطاء ونموذجاً مشرفاً ومدرسة لشباب الخليج، فوالله ثم والله هذا أقل القليل بحق رجل الإنسانية هذا، وهناك حاجة فعلاً لتقدير إسهاماته وتخليد رحلة عطائه وجعلها تذكاراً للآخرين.
جل ما نقوله من مثلك لا يفقد يا حمود رحمك الله وألهمنا الصبر على فقدانك، فأنت موجود في قلوب كل الناس بل «يفتقد» في محطات الحياة القادمة، من مثلك لا ينسى بل يبقى وشم أعماله حاضراً، أحببت البحرين والبحرين كلها تحبك وتفتقدك، أيتامك في سوريا وغزة والعراق والخليج لن ينسوك، فحتى في وفاتك رحلت وأنت متجه لعمل الخير وجمع كفالة الأيتام، اخترت أن تموت ساعياً في عمل الخير فهنيئاً لك حسن الخاتمة، اخترت أن تموت على الأرض التي تحبها «البحرين»، اخترت طريق الجنة فاشتاقت لك الجنة فرحلت، ومن مثلك لا يرحل يا حمود بل يبقى شذى روحه حاضراً بيننا دائماً، تشهد لك مناطق البحرين وأهلها وقفاتك، وإن كان هناك جسر من المحبة يربط بين البحرين والسعودية فأنت أوجدت جسوراً من المحبة والإخوة والعطاء والشهامة.
يقال من مثلك لا يحزن عليه بل يفرح لأجله، فالله اقتطفك من هذه الحياة لأنه يحبك وأخذك لجواره، والله لا يختار إلا من يحبه، إلا أن غصة القلب برحيلك يا محامي البحرين تبقى حاضرة، لن ننساك يا حمود المطيري فمن مثلك لا يتكرر ولا يأتي في حياتنا إلا مرة واحدة فقط، فثمة أشخاص عندما يرحلون يبقى مكانهم شاغراً لآخر وثمة أشخاص عندما يرحلون يبقى مكانهم فارغاً لا أحد يستطيع ملأه وأنت منهم يا حمود، لا أعتقد أننا سنرى شخصاً بمثلك، طيبتك، ونقائك وعروبتك وإخلاصك، إن توقفت العين عن البكاء فلن ينساك القلب من الدعاء، سيظل الدعاء تواصلاً حياً بيننا.. رحمك الله يا شجاع البحرين والعروبة.
- إحساس عابر..
قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام: «إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبض عليه».