نحن نتاج البرمجة القديمة؛ برمجة البيت، الأم والأب والإخوان الأكبر، برمجة المدرسة والمدرسين وزملاء الدراسة، برمجة الأصدقاء في الحي والشارع، الأكبر منا بالذات والذين تحولون إلى قدوة لنا، نحن برمجة المؤسسات السياسية الرسمية والأهلية، الأندية والأحزاب والجمعيات بكل أشكالها.
هذا النمط من البرمجة هو الذي ينزرع في العقل الباطن، ونبقى نتصور أن كل ما نحمله من آراء وأفكار وطموحات وأحلام هي من صنعنا، دون التفكير أنها من صنع برامج ليست لنا أية علاقة حقيقية بها.
وإن كانت هذه البرامج حاولت أن تحمينا من الوقوع في الهلاك، نتيجة لصغر أعمارنا، فإننا حين نصل إلى عمر الثامنة عشرة نعرف الصحة من الخطأ، ونعرف الحلال من الحرم، ونعرف إننا متفردون في أشكالنا وطرق تفكيرنا والحياة التي نحلم أن نعيشها في المدة الزميلة المحددة لنا سلفاً على هذه الأرض.
وإن كان لي أن أتحدث عن نفسي بالقول إنني اتخذت قراراتي الخاصة قبل هذا العمر بفترة ليست بالقصيرة، لأسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية، فإن عمر الثامنة عشرة هو العمر المناسب لأن تكون أنت كما تريد أن تكون.
ولا يمكن أن تضع إطار برمجتك الحياتية الخاصة بك دون طرح الأسئلة الكونية الكبرى؛ وهي من أنا؟ ولماذا جئت إلى هذا العالم؟ وما هي المهمة التي يجب أن أقوم بإنجازها؟ وهل أستطيع ذلك؟ وغيرها من الأسئلة التي ترى ضرورة طرحها من أجل أن تكون أنت.
بعد أن تطرح الأسئلة على نفسك تبدأ في النظر إلى حياتك من زاوية أخرى غير الزاوية التي تعودت عليها، زاوية مختلفة من جهة أخرى، قد تكون من الأسفل أو الأعلى، قد تكون من جهة الشرق بعد أن نظرت كل حياتك من جهة الغرب.
الآن أنت في مرحلة تقرر فيها ماذا تريد أن تكون، ما هي أحلامك التي تريد أن تراها تتحقق في حياتك، الآن تستطيع أن تنظر إلى ذاتك، لا يحتاج الأمر أن تقوم برفض أطروحات اهلك، ولا يحتاج الأمر أن تكون بعيداً عن جماعتك ولا أن تترك أصدقائك، ثق أنهم سوف يخرجونك منهم، أنت الآن على مستوى وجهة أصحاب البرمجة القديمة تعتبر منحرفاً، خارجاً عن الجماعة، أو رافضاً دين آباءك، كما فعل وقال من قبلك من قرن ونصف وأكثر.
أن تريد أن تكون نفسك، وترى مهمتك التي أرسلك الله لتقوم بإنجازها، وتعيش الحياة التي تريد وتحلم، ما لك إلا أن ترفض داخلياً على الأقل البرمجة القديمة التي برمجك بها، كل من مر في طريق حياتك.
اخرج عن مألوف حياتك لتلتقي بحياتك، اترك روتينك اليومي لترى كم في الحياة من أشياء جميلة، غير طريقك اليومي نحو العمل والجامعة ستجد العديد من الأشياء التي لم ترها من قبل لكي تكون إنسان راضٍ عن ذاتك، لابد لك من الخروج عن أنماط الناس العاديين الذين يعيشون بعيدون عن الحلم الإنساني والكوني.
الإنسان العادي لا يفكر إلا في كيفية الحصول على الوجبة الأخرى، الإنسان الكوني يفكر في كيفية جعل حياة الإنسان أفضل، يفكر في كيفية إعمار الأرض وجعلها الجنة في الفترة التي يعيش فوق وينعم من بساتينها.
اخرج عن نمط السابق لترى إنسانيتك في أجمل صورها.