انتهى العمل مؤخراً بأحد الدوارات في مدينة عيسى، وهو الدوار الذي يتوسط الطريق بين مبنى السجل السكاني ومدخل قرية جرداب، وقد وضع عليه مجسم ضخم، لم أتبين ما هيَ، مع عدد من الأحرف، والغريب أنه تم إطلاق اسم «دوار التربية» عليه، ولا علم لي هل الاسم رسمي، بمعنى أنه أطلق من قبل الجهات الحكومية؛ أم أنه اسم تداوله الناس وأطلقوه على الدوار؟
بعيداً عن الاسم؛ كثير من الناس لم يفهموا معنى المنحوتة المعقدة، فقد نقل لي أحد الأصدقاء أن جدته العجوز، وهي واحدة من جيل الطيببين، انبهرت كثيراً عند رؤية المجسم، وعلقت عليه قائلة «ما شاء الله.. حتى الدوار صاروا يبنون عليه»، وعبثاً حاول صديقي أن يشرح لها أنه ليس بناء وإنما منحوتة تمثل أهمية العلم، فما كان منها إلا أن رمقته بنظرة «دونية» وواصلت تأملها «للبناء» من نافذة السيارة.
الجمعة الماضية؛ وأثناء مروري بالمنطقة، شاهدت عدداً من الآسيويين وقد تجمعوا داخل الدوار في مباراة لالتقاط الصور مع المجسم بأشكال وأوضاع مختلفة، أحدهم تسلقه لمسافة ليست بالقصيرة.
الملفت للانتباه أن المجسم يتوسط عدداً كبيراً من المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وغير بعيدٍ عن مبنى وزارة التربية والتعليم، وأُريدَ منه، حسب تقديري الشخصي، أن يكون شاهداً على ما تشهده المملكة من «تطور تربوي وأكاديمي وعلمي».
للتذكير فقط؛ لا تفصلنا عن العام الدراسي الجديد إلا أسابيع قليلة، ومن المفيد التذكير بمآسٍ يتم تسجيلها كل عام؛ كتعطل المكيفات في كثير من الفصول الدراسية وتحول الصفوف إلى أفران، وتأخر تسليم بعض كتب المقررات المدرسية لفترات قد تمتد لأسابيع، وربما أكثر، وما ينتج عنه من تعطيل للطلاب، عدم وجود مدرسين لبعض المواد، خصوصاً في المرحلة الثانوية، عدم جاهزية حافلات نقل الطلبة وعدم صلاحية بعضها بالمطلق لنقل الأطفال.. هذا عدا عن عشرات القضايا والإشكالات التربوية التي تعاني منها مدارسنا منذ سنوات.
جميل جداً أن نحاول زراعة أهمية العلم لدى أبنائنا الطلبة من خلال تزيين الشوارع والدوارات وجدران المدارس، لكن الأجمل أن نهيئ لهم جواً دراسياً وتربوياً قادراً على زرع هذه القيم في دواخلهم.
أما الأكثرُ جمالاً على الإطلاق فهو أن تقوم الدولة، بكل مؤسساتها، بنحت قيم الانتماء والولاء في نفوس الصغار، وإرضاعهم معنى الوطنية منذ نعومة أظفارهم، فالأوطان ليست مجرد دوارات عليها نحت يزين الشوارع؛ بل هي عمل وبناء وانتماء، ولو كان العلم والوطنية يقاس بالدوارات لما كان لنا في بعض الدوارات وأحداثها عظة وعبرة.