هذا المقال كتب يوم الأحد الماضي، وكان من المفترض أن ينشر في عدد يوم الإثنين «أمس»، لكن «بخطأ زهايمري مني» لم أرسل العمود للصحيفة وظننت أنني أرسلته.
يوم أمس الأول «الأحد» وردني اتصال من أحد المسؤولين بوزارة الثقافة تعقيباً على العمود الذي نشر في نفس اليوم، وكان الأخ الكريم المتصل دمث الخلق وتحدث بأسلوب طيب، وبين أن هناك حفلات أقامتها وزارة الثقافة في أول وثاني أيام العيد، وأنا أشكر المتصل على تفاعله.
غير أن ما نطرحه من وجهات نظر ليست موجهة إلى أشخاص بعينهم، بل إنني في أغلب نقاط العمود كنت أشدد على مسؤولية الدولة، فالمشاريع السياحية العملاقة هي من اختصاص الدولة والقطاع الخاص، إذا ما وفرت الدولة للقطاع الخاص الأرضية المناسبة لإقامة المشاريع، ويجب أن تتقدم وزارة الثقافة بهذه المشاريع كونها الجهة المنوط بها تطوير قطاع السياحة.
ولا يفوتني هنا أن أشيد بجهود الأخ الفاضل الشيخ خالد بن حمود آل خليفة، الوكيل المساعد للسياحة بوزارة الثقافة، فقد حقق قفزات نوعية محلياً وخارجياً منذ أن تولى مسؤولية السياحة بالبحرين، وأعتقد أن أهم إنجازات هذا الرجل هي منع الخمور والمراقص في فنادق الثلاث نجوم، هذا الأمر يقدره أهل البحرين كثيراً للشيخ خالد بن حمود، كما إننا ننتظر منه المزيد.
هذه المقدمة كتبتها، أما ما بعد هذه الفقرة فهو بداية العمود الذي لم أرسله للصحيفة بخطأ مني..
***
من يقصد مدينة المنامة كل صباح من أجل الدوام أو لإنهاء أعماله يلاحظ أن شوارع البحرين أصبحت مريحة تماماً، فقبل إجازة العيد كان طريق «الهاي وي» (شارع خليفة بن سلمان) وهو طريق سريع، أو هكذا يفترض، يعاني من اكتظاظ السيارات وسيرها بسرعات منخفضة جداً بسبب الزحام أو عمليات الإرهاب وحرق الشوارع.
أعتقد أن هناك سبباً مهماً جداً آخر وهو ضعف التخطيط السليم للطرق المؤدية للعاصمة، أو أن بعض مهندسي الطرق بوزارة الأشغال لديهم رؤية للتضييق على عباد الله، أو أنهم لا يرون كيف تخطط الطرق في المدن الحديثة والكبيرة، وأعتقد أنهم يحتاجون إلى دورة متقدمة للاطلاع على أساليب تخطيط الطرق الحديثة التي لا تكون سبباً لحوادث المرور.
الكثير من أبناء البحرين والمقيمين جعلوا توقيت إجازاتهم بعد عيد الفطر، فأصبح المطار أشبه بخلية نحل «والمطار هذا قصة لوحده أو يمكن تحويله إلى وزارة الثقافة فقد أصبح تراثاً» الجميع يبحث عن بوابة طائرته، وربما أكثر أناس يمكن أن نعذرهم على اختيار هذا التوقيت، هم المدرسون والمدرسات وأرباب الأسر الذين لا يملكون إجازات لأبنائهم في بقية العام للسفر، فلا مناص من اختيار شهر أغسطس للسفر بعد أن جاء شهر رمضان في منتصف الإجازة الصيفية.
قد يضطر الإنسان للسفر في هذا الموسم المزدحم هرباً من الجو الحار والرطوبة، لكنني من الناس الذين يفضلون السفر في غير أيام المواسم، فكل شيء يرتفع سعره؛ تذاكر السفر، الفنادق، التاكسي، العملات، كل الخدمات ترتفع، لذلك فإن السفر بعد شهر سبتمبر أفضل من قبله لمن يستطيع أن بضبط إجازته في مواقيت غير إجازة الصيف.
اللافت في الأمر أنه حتى من يصنفون ذوي الدخول دون المتوسطة بقليل حزموا أمتعتهم وسافروا إلى دول إما قريبة أو إلى مصر بعد استقرار الأوضاع هناك، أو إلى المغرب كون المغرب بلداً جميلاً والأمن فيه مستتب، وكذلك الطبيعة الجميلة ويحبها الخليجيون للقرب من أوروبا والبرتغال وإسبانيا تحديداً، بحيث يمكن أخذ باخرة إلى هناك ولو لمدة يومين أو كجولة في المتوسط.
أخذ إجازة للاستجمام والراحة أمر مهم بعد عناء عام كامل من العمل، أغلب المهن والوظائف تحتاج إلى هذه الراحة، فهي فرصة لتجديد الأفكار واكتساب خبرات جديدة، والأهم من ذلك إزالة الضغوط اليومية عن كاهل الإنسان.
قرأت أمس الأول تصريحاً للسفير الأردني في المملكة العربية السعودية يذكر فيه أن نصف السياح الذين يزورون الأردن هم من المملكة العربية السعودية.
هذا ما ذكره السفير، ويظهر أن حجم السياح السعوديين الذين يقصدون دول الجوار كبير جداً، خاصة أن الأردن يخصص برامج وفعاليات لاستقطاب السياح السعوديين والخليجيين كونهم أكثر السياح إنفاقاً، ناهيك عن كون الأردن مقصداً للسياحة العلاجية والاستشفائية والتجميلية.
تذكرت مع هذا التصريح وضعنا في البحرين، فنحن لا نملك سياحة داخلية للمواطنين بشكل متطور ويلبي تطلعات المواطن والمقيم، لذلك تحدث هذه الهجرة صيفاً إلى وجهات قريبة مثل دبي، ولا نضع أيضاً خططاً لاستقطاب العائلة السعودية، فقد كنا نركز على استقطاب العزاب للأماكن التي تعرفونها، والتي نأمل من الدولة أن تغلقها تماماً دون تردد ولو تدريجياً على الأقل، لنشكر رب العباد على حفظه أمن البحرين وسط هذه العواصف العاتية، الأمن من عند رب العباد أولاً وأخيراً، ومن أسبابه عدم محاربة الله في أرضه.
أعتقد أن استراتيجية السياحة المحلية يجب أن تقوم على استهداف العائلة السعودية أولاً، وأن نضع كل الخطط والبرامج والفعاليات بحسب الإجازات في الشقيقة السعودية، مع القيام بحملات إعلانية ضخمة في وسائل الإعلام بالسعودية تبرز اسم الفعالية وجداول الفعاليات وتاريخها ومكانها.
لو ركزنا على العائلة السعودية لاكتفينا من حيث جعل عجلة الاقتصاد تدور في كل مناحي الحياة، لكننا لا نضع هذا الأمر في الحسبان، ونركز على السياحة الثقافية الأرستقراطية، وهي لا تحفز الخليجيين على زيارة البحرين، فما لديهم في بلدهم أكثر مما لدينا من آثار ومن أماكن لا تعتبر هي المقصد الرئيس للسائح.
نطالب الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية وممتلكات وإدامة أن يقوموا بإعداد خطة مشاريع سياحية نوعية كبيرة تستقطب السائح الخليجي، فهذا أكبر داعم للاقتصاد، إذا ما سلمنا بأن الأمن مستتب في البحرين، أو إذا ما قررت الدولة أن تكون جادة في حفظ الأمن وتطبيق القوانين.
هناك دور كبير على الجهات المذكورة سلفاً، الاستثمار في الخارج جيد، لكن الاستثمار في الداخل أفضل بكثير؛ خاصة إذا ما تم وضع خطط لإقامة مشاريع سياحية عملاقة ونوعيه تشكل صلب اهتمام السائح الخليجي.
تحدثت ذات مرة مع أحد المسؤولين، وكان ذلك قبل ثلاثة أعوام تقريباً أو أكثر، عن السياحة في البحرين، وكان المسؤول في زيارة لصحيفة «الوطن»، وسألته لماذا لا نقيم مشاريع سياحية كبيرة على سواحل العاصمة مثلاً؟ ولماذا لا نعمل سواحل مفتوحة للسباحة ومن خلفها ممشى ومطاعم ومقاهٍ تطل على البحر كما تفعل كل الدول السياحية التي لديها واجهات بحرية؟
جزء من الجواب كان: «إن السواحل وأراضي السواحل من اختصاص وزارة أخرى، وهي وزارة البلديات، ولا نستطيع أن نحصل على أراضي السواحل».
هذه الإجابة تظهر أننا في دولة يعمل فيها كل طرف لوحده، ولا توجد خطة تكاملية تعاونية بين الوزارات، «وكافية أن بعض الوزراء كل واحد راسه براس الثاني»..!
ولو سألنا البلديات لماذا لا تقيمون هذه المشاريع؟ سيقولون لك الميزانيات، وسيقولون لك المجالس البلدية هي التي تعطل المشاريع، وهكذا نلف وندور في حلقة مفرغة، ولا أحد يعبأ لمصلحة البلد بشكل عام..!
بينما نحتاج إلى قرار قوي ونافذ من أجل إقرار هذه المشاريع، ونحتاج لأن نجعل سواحل المنامة مفتوحة للمواطن والمقيم بدل أن يبحث عن ساحل للسباحة فيذهب إما إلى ساحل الحوض الجاف وإما إلى بلاج الجزائر. أما بلاج الجزائر فهذه قصة لوحدها «بلاج الخرائب وليس الجزائر»، فكثيراً ما سمعنا عن تطويره وأنتم ترون حتى اليوم ما هو حاله.
إما أن نكون جادين في إقامة مشاريع سياحية عملاقة وكبيرة وتخصص لها ميزانيات، وأن نجعل السواحل وإدارتها وأراضيها تبعاً لوزارة الثقافة، وإما أن نصمت ونقول إننا لسنا بلداً سياحياً، وأن نكتفي بمجمعين تجاريين وبـ»العرشان» الخربة في بلاج الجزائر كمثال.
«السياحة» كمورد للدخل القومي يأتي ثالثاً من بعد النفط والجمارك، يجب أن يكون مشروع دولة، لا مشاريع صغيرة متناثرة هنا وهناك، بينما لا توجد خدمات سياحية كاملة لإدارتها.
لو كانت لدينا سياحة داخلية حقيقية ومشاريع كبيرة، لما هاجر المواطنون في رحلة أغسطس إلى دول خليجية وعربية، وهنا أعني متوسطي الحال.
أمس نشرت الصحف إعلانات ملونة في نصف صفحة لهيئة السياحة في قطر، الإعلان هو عن مهرجان صيف قطر، عروض كثيرة وجوائز كبيرة، هذه قطر أصبحت اليوم وجهة سياحية، ونحن مازلنا نتحدث عن حاجتنا لمدينة ألعاب عالمية وليست مثل منتزه عذاري الذي كان دون الطموح بكثير.
مازلنا نتحدث عن مشاريع خجولة في جزر حوار، ونفكر بوضع طائرة صغيرة لخمسة ركاب تنقل من يريدون الذهاب لجزر حوار..!
من الواضح أن هناك فارقاً زمنياً كبيراً بيننا وبين من يعملون من أجل أوطانهم بنيات حقيقية مخلصة..!
رذاذ
أريد أن أوجه هذه الأسئلة للدولة والحكومة ولمجموعة ممتلكات، ولتمكين، ولإدامة ولوزارة الثقافة:
ما الذي يجعل السائح الخليجي يزور البحرين؟
ما هي المشاريع السياحية الكبيرة التي يمكن أن يقصدها السائح والتي تعتبر أفضل من التي في بلاده؟
هل لدينا مدينة ألعاب ضخمة وعلى غرار المستوى الأوروبي؟
هل لدينا مشاريع ترفيهية للألعاب المائية على السواحل البحرية كما هو الحال في دول الجوار؟
هل لدينا أسواق شعبية ومجمعات تجارية تضاهي دول الجوار ومكيفة؟
هل لدينا خدمات سياحية متكاملة يتم تقديمها من خلال شركات ذات سمعة كبيرة؟
هل لدينا خطة ترويج لفعاليات البرامج في البحرين من خلال الإعلانات في القنوات الخليجية والصحف؟
** إحدى المترشحات للانتخابات القادمة قالت في لقاء صحافي أمس الأول: «أنا أملك 50% من الحل لتداعيات الأزمة التي مرت بها البحرين»..!!
أتمنى التوفيق لكل المترشحات والمترشحين، وأقول للأخت الفاضلة: أتركي الـ50% المتبقية لحل الأزمة علي أنا..!
الحل عندي.. بس أخاف لو نشرت الحل يقول البعض هذا الكاتب دائماً يستهدفنا..!!
وإلا الحل موجود وسريع ونتائجه مضمونه.. وربي يعيننا على البرلمان القادم «خل نيود شمطوطنا أحسن لنا»..!!