لا يمكن استثناء أحد من جريمة الصمت العظمى تجاه جرائم الحرب التي تنفذها إسرائيل في غزة. ولكن ثمة معسكراً أرعد وأزبد وأصخب لمدة ثلاث سنوات عجاف، هي سنوات العاصفة الرملية المسماة بـ(الربيع العربي). هذا المعسكر زايد على كل من يخالفه في قيم الحرية والشرف والعروبة والإسلام. وعلى كثرة أتباع هذا المعسكر إلا أن رأس الحربة يمكن اختزالها في الثالوث النشط: الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وحاملة نوبل اليمنية توكل كرمان.
كم من الدماء سفكت جراء فتاوى الشيخ يوسف القرضاوي؟ وكم من الديار خربت من وراء دعواته للخروج والثورة؟
القرضاوي تصدر مشاهد الربيع العربي كجنزال يرتدي عمامة ويلوح بعصاه من فوق منبره ولا يعنيه ما يحدث في الميدان. دعوات القرضاوي للشعوب الربيعية بالخروج والثورة وإسقاط الأنظمة وفتاويه بهدر دم كل من يقف عقبة في وجه الثورة خلفت خراب ليبيا وقتل القذافي والشيخ البوطي قتلاً بشعاً ينم عن طبيعة تلك الثورات. دعوات القرضاوي وغيره للجهاد وتكفيره للأنظمة خلقت (داعش) في كل من سوريا والعراق. اليوم يصمت القرضاوي ولا يدعو الفلسطينيين للانقلاب على اتفاقية (أوسلو) وإسقاط حُكم (السلطة الفلسطينية) ومن ثم إعلان الثورة وتفجير انتفاضة ثالثة. لم يصرخ القرضاوي ويفتي بوجوب الجهاد ضد الصهاينة، ولم يطالب حتى بتفعيل المقاطعة ضد البضائع الصهيونية ولم يحرض المسلمين على حصار السفارات الإسرائيلية والمكاتب الصهيونية في بلادهم. القرضاوي الذي قال، من على منبر صلاة الجمعة في قطر، بعد أحداث (فض ميدان رابعة) إن الجيش المصري ارتكب من الجرائم ما لم يرتكبه الجيش الإسرائيلي وأن الجيش الإسرائيلي أرحم من الجيش المصري؛ صمت عن المجازر الإسرائيلية التي لا يتخيلها العقل البشري واكتفى بحث المسلمين على الدعاء لإخوانهم في غزة في ليالي رمضان.
أما السيد أردوغان فطالما وقف كخليفة عثماني يخطب من الأستانة لرعاياه في ولاياته العربية. أردوغان الذي حرض على النظام السوري ووصفه بالدكتاتورية والطائفية والإجرام، وفتح أراضيه لتأسيس الجيش الحر وتدريب عناصره، وفتح أراضيه لكل الإرهابيين الذين دخلوا سوريا تحت ذريعة الجهاد وأسسوا داعش والنصرة والجيوش المتأسلمة التي تعددت أسماؤها واتفقت في منهجية التكفير والإرهاب. أردوغان الذي تخصص في الشأن المصري وكرس نصف خطبه للهجوم على النظام المصري والجيش المصري والرئيس المصري الحالي في خروج غير مألوف عن بروتوكول الدبلوماسية، أردوغان الذي يعد من أوائل من رفعوا أصابعهم الأربعة في وجه الشعب المصري يصمت اليوم عن جرائم الحليف الإسرائيلي ولا يوقف الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل. أردوغان يصمت وحين ينطق ينسى كل شيء ويتذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسي هو رئيس طاغية وغير ديمقراطي فقط!!. وحتى حين تجُول الوفود الحمساوية بين قطر وتركيا لخلق دور للدولتين يعجز أردوغان عن خلق دور لتركيا في محنة غزة. وكأن سفن مرمرة قد انتهت وكأن خطبه النارية قد نفدت.
أما النوبلية توكل كرمان، فتلك من قصص العجائب. فليس لكرمان أي أثر في مآزق اليمن وأزماتها بعد الثورة. لم تنشغل توكل، وهي الشخصية الأممية، بمحاربة الفقر في اليمن ومواجهة الأمية والتفكك والانهيار شبه الكلي للدولة في ظل نظام ما بعد الثورة الضعيف وبروز أطراف قوية مثل القاعدة والحوثيين. كل ما كان يشغل توكل كرمان هو التحريض على الجيش المصري ومطالبة المنظمات الدولية بمعاقبة الجيش المصري والنظام في مصر بعد إسقاط حكم الإخوان. تجوب توكل كرمان مدن العالم لتناضل بأصابعها الأربعة دفاعا عن شرعية نظام محمد مرسي. وفي غمرة انشغالها في تونس بتأسيس مجلس لحماية ثورات الربيع العربي اكتفت توكل ببيان إنشائي عام يستنكر القصف الإسرائيلي، وتلتحق بمسيرة داعمة لصمود غزة. ولم تخاطب المنظمات الدولية بمعاقبة الجيش الإسرائيلي أو تحويله إلى محكمة الجنايات الدولية كما كانت تطالب بحق الجيش المصري!!
حين تشتد الأزمات ينكشف المزايدون، وتنكشف أولوياتهم وأجنداتهم. وأمام الخطوط الحمراء تتضح طبيعة مشاريعهم. ولسنا بحاجة إلى نظارات تحت الأشعة الملونة لنكتشف أن العديد من أتباع معسكر المزايدات الذين شرّخوا آذاننا بشعاراتهم وهتافاتهم وإنشائياتهم لا يستطيعون كسر الخط الأحمر المرسوم لهم وهو (إسرائيل).